Uncategorized

هل بدأت إعادة هيكلة القطاع العام بصيغتها “التفكيكية” الوقحة من الجامعة اللبنانية؟

كتب دكتور *زاهر عبد الخالق:

لم تعد عبارات “خطر داهم”، “انهيار وشيك” مجرد استعارات وتشابيه توصِّف واقع حال الجامعة اللبنانية: اضراب مفتوح اتخذته الهيئة العامة، أعلى سلطة في رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، بتاريخ 15 تموز 2022، مقررات غير منجزة، امتحانات مؤجلة، بداية العام الجامعي الجديد 2022-2023 في مهب الاحتمالات، فهو قد يبدأ في حال تمّ استعادة أموال المشاريع الخارجية العالقة هنا وهناك والمقدرة بخمسين مليون دولار، وفي حال الحصول على مساعدات من الدول المانحة الصديقة “مشكورة”، وإذا رُصدت الأموال اللازمة لسلسلة من المراسيم، وهذه الرهانات على أهميتها هي بمثابة مغامرة غير واضحة المعالم وغير محسوبة العواقب لإدارة مؤسسة عامة عريقة كالجامعة الوطنية.

المال هو عصب المؤسسات و”تقنينه” أو حجبه عن ميزانية الجامعة اللبنانية التي تدنت من 270 مليون دولار إلى 13 مليون دولار يخلخل ركائزها ويضعف من قدرتها على الإستمرار. ويأتي ذلك في سياق إهمال متعمد ومزمن، وضربات متتالية تلقتها الجامعة وأداتها النقابية “رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية”:

– استثناء أساتذتها من سلسلة رتب ورواتب 2017.

– النكث بالعهود، وعلى سبيل الذكر لا الحصر تسوية البنود السبعة سنة 2019 بين الهيئة التنفيذية وأهل الحل والربط في الدولة اللبنانية.

– استهداف صندوق تعاضد اساتذتها بحجة توحيد الصناديق الضامنة، وعدم دعمه وتفريغ خدماته من محتواها وجدواها.

– أساتذة بلغوا السنّ القانونيّة ولم ينالوا حقّهم بمعاش تقاعديّ.

– رواتب هزيلة، تآكلت بفعل التضخم والانهيار المالي.

– ملف الاساتذة المتعاقدين – الطامة الكبرى – التي رفعت أسماؤهم ولم تدرج في جلسات مجلس الوزراء المتتالية والمتكررة.

– حرمان المدرب من آلية تسمح له بقبض راتبه كل آخر شهر.

– والضربة القاضية على أسس الجامعة اتت بعدم تعيين العمداء لإحياء مجلس الجامعة وبث الحيوية فيه بسبب حسابات سياسية ضيّقة.

والجدير ذكره، بأن الجامعة اللبنانية تطوعت بالاعتماد على نفسها لدفع الحوافز للعاملين فيها واستفاد منها بنسب متفاوتة وأحيانًا رمزية المدرب والموظف، والأستاذ المتعاقد والأستاذ المتفرغ، وسيدخل توقفها شهرها الثالث. ولم تسلك لغايته الستة انصاف رواتب ابتداء من 1/1/ 2022 طريقها إلى التنفيذ والتي لا تُسْمِنُ وَلا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ.

واجه مجلس المندوبين والهيئة التفيذية في رابطة الأساتذة المتفرغين جميع التحديات، كما استطاعوا، بجلسات عادية واستثنائية، وبيانات واعتصامات وجمعيات عمومية وأخيرًا هيئة عامة إتُخِذ فيها قرار الإضراب المفتوح الذي كانت دعت إليه الهيئة التنفيذية. كل ذلك، ترك بلبلة لدى الرأي العام وأعطى صورة “مشوشة “عن الجامعة “المأضربة” على الدوام. وغذّى هذه الصورة النمطيّة المزايدون و”الغيارى” قولًا وليس فعلًا على مصلحة الطالب وعلى العملية التربوية.

ومن البديهي ان تزعزع هذه النزاعات أواصر الثقة بين اهل الجامعة: طالب خائف على مستقبله الدراسي، واستاذ ينتقد زميله المندوب ويتهمه بالتقصير ولا يشاركه عمليًّا في الاعتصامات التي يدعوه إليها، ومندوب يبدي الملاحظات اللاذعة ضد هيئة تنفيذية أنهكتها ولاية من سنتين حافلتين بالتحركات. ومنهم من يطالب بإعادة “الهيبة” الى العمل النقابي الموجه من المكاتب التربوية، والتي لم تقطع أواصر التواصل فيما بينها، حتى في احلك الظروف، والاعتراف بأن وصايتها وتدخلاتها أوصلت الأمور الى ما هي عليه وعجزت عن طلب النجدة وفشلت بالضغط على أحزابها، من مختلف الانتماءات الممثلة بالسلطة لإنعاش المريض وانقاذه، رغم بعض المبادرات، التي تظهر في نشاط أو مؤتمر يعقد بين الفينة والأخرى.

وهناك من يتطوع، عن غير دراية، بخرق قرارات نقابته والعمل سرًّا وجهرًا على عدم الالتزام بها، ظنًا منه بأن سياسة الإنكار أو “النعامة” تصلح الأحوال. أضف إلى ذلك، أساتذة طلبت وضعها في الاستيداع أو سافرت أو تفكر بترك وظيفتها وبالتضحية برسالتها التعليمية السامية لأسباب ماديّة قاهرة.

وفي خضم الأزمة هناك من يطلب من الجامعة أن تكون منتجة لتمويل نفسها بنفسها، وهذه خطة ضرورية ومطلوبة على المدى البعيد، مع أن الجامعة أثبتت جدارتها في هذا المضمار أثناء جائحة كورونا. ولكنها اليوم تعاني وهي بحاجة ماسة إلى خطة إنقاذ طارئة.

وهل بات عدم الاستثمار في الإنسان هو الخيار الصائب؟ فالطالب الذي سيتخرج ويدخل فيما بعد سوق العمل المحلي أو الخارجي سيضخ المال في عجلة الدورة الاقتصادية. ما الجدوى إذًا من ضرب مستقبل الشاب اللبناني والمؤسسة الوطنية الحاضنة لجيل مثابر وواعد؟ لمصلحة من يتم هذا الإهمال المتعمد؟ فالأغلبية الساحقة من الطلاب اللبنانيين لا تملك الإمكانات الماديّة لمتابعة الدراسة في الخارج أو لدخول بعض الجامعات الخاصة المشهود لها أكاديميًّا والمعدودة أو حتى دفع أقساط “الدكاكين” الجامعية التي “فرخت” وتكاثرت كالفطر أو العشب الضار في محيطنا التربوي.

هل ما تعيشه الجامعة اللبنانية بداية لما بات يُعرف بإعادة هيكلة القطاع العام، وهل بدأت هذه الهندسات من الجامعة اللبنانية على شكل رديء يهدف إلى إحراج أهل الجامعة (أستاذ، موظف، مدرب، طالب) فاخراجهم؟ وهل سيُحرم الشاب اللبناني من حق التعليم العالي “المدعوم”؟ وماذا بعد تهميش الجامعة-الأم، عندما يسيطر الجهل على عقول العباد ويصبح رديفًا للعتمة الشاملة التي تعمّ البلاد؟

وإلى كل من يستهجن فرضية ضرب المؤسسات العامة والجامعة اللبنانية بالتحديد، عليه أن يضع نصب عينيه أين أصبحت تقديمات صندوق الضمان الاجتماعي وكهرباء 24/24، والخدمات الطبية والاستشفائية والمواد المدعومة؟ مؤسسات اجتماعية وصحيّة وخدماتيّة وماليّة تمّ ضربها، واستهداف وزعزعة مؤسسة التعليم العالي الوطنية هو قاب قوسين أو أدنى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى