قطاع التّربية على المحك.. وعلى الوعد يا كمون.
وكأّنهُ ما كان ينقصُ القطاعَ التربويّ في لبنان سوى حفنةً من الوعودِ الكاذبةِ لكي يُعْلَنَ سقوطَهـ رسمياً، فإنّ “الوقحنة” وصلَتْ إلى حدّ سجّلَ فيه قطاعُ التربيةِ في لبنان المرتبةَ الأولى، لا بل دخلَ موسوعة غينيس كأكثر قطاعٍ متلقٍ لوعودٍ من وزراءٍ ونواب، لم ينفذْ ولا حتى ٥٪ من هذهِ الوعود على مدى سنوات وسنوات وسنوات، فكيف هو إذاً المشهد التربوي للعام الدراسي المقبل، مع صورة عام بدأ بإضراب، وإعلان العصيان.
وضع مزري
أقل ما يمكنُ أن يُقالَ عن وضعِ قطاع التربية في لبنان بأنه وضعٌ مزري، إذّ أنَّ القطاع بات على حافةِ الهاوية، فلو عدنا بالزمنِ بضع سنوات إلى الوراء لوجدنا بأنَّ الموارد التي كانت مُخصصة للتربية لم تكن تكفي أصلاً، فالدولة وعلى مرّ السّنوات كانت دائماً ما تهمشُ القطاعَ التربويّ، لا بل لم تكترث حتى إلى الحفاظ على قيمة التربية في لبنان، بوقتٍ كان لبنان يُصنف من أهم المناطق التربوية وذلك بسبب المناهج المتنوعة التي كان يأتي عليها الطالب، بدءً من الأدب، وصولاً إلى اللّغات، والعلوم، وغيرها الكثير، هذا بالإضافة إلى قطاع التّعليم الجامعيّ، حيث تُعتبر جامعات لبنان من أرقى، وأهم الجامعات العربية، والتي كانت مقصداً للعديد من الطّلاب الأجانب نسبةً إلى “ثقل” الشّهادة الجامعية اللّبنانية سواء على صعيدِ الجامعات الخاصة أو حتى الجامعة اللّبنانية. إلا أن ما وصل إليه القطاع، باتَ يعجز بالتعبير عنهُ حتى القلم، ففوضى، وضياع، ولامبالاة هي عناوينٌ عريضةٌ تُسَطَرُ على قائمةِ الأسبابِ التّي أدَت إلى هلاك القطاع التّربوي، ناهيكَ عن التّهميش من خلال موازنات لم تكن تلحظُ حقوقَ الأساتذةِ والمعلمين، الذين بقت حقوقهم مُقفلٌ عليها في جوارير الحكومات المُتعاقبة، علماً أن اليونسكو قد أوصت الدول عام ٢٠١٥ بضرورة أن يكون إنفاق الحكومات من موازنتها ما لا يقل عن ٧٪ من الناتج المحلي، بوقتٍ أنفقت الحكومة سنة ٢٠٢٠ نسبة ما لم يتعداه ٢٪.
بطالة مقنعة
مع استشراس الأزمة الإقتصادية يُعتبر العمل في القطاع التّربويّ في لبنان وفي الوقت الحاضر بمثابة مضيعةً للوقتِ، إذ أنّ راتبَ الأستاذ باتَ لا يُغطي سوى تكلفة الكهرباء والزيت، وبضعة حاجيات صغيرة. هذا الأمر دفع بالأساتذة والمعلمين إلى “دوبلة” عملهم من خلال إعطاء دروس خصوصية للطلاب(الأمر الذي لم يكن منتشر كثيرا في لبنان)، أو اتجه بعضهم الأخر إلى تقديم طلب استقالتهم، وفتح مشاريعهم الخاصة الذي يرون منها باب أمل وحيد للصمود بوجه الأزمة الإقتصادية، فالتعليم كوظيفة بات أمراً شبه مستحيل في لبنان، فالحكومة لم تحرك ساكناً لأجل إعادة النّظر بوضعِ المعلمين سواءَ من ناحيةِ احتياجاتهم اليّومية، أو حتى من خلال تعديل رواتبهم، فعملهم بات يعتبر تضحية لا أكثر.
أزمة النازحين
القطاع التعليمي الهش في لبنان كان على حافة الهاوية، إلى أن دخل ما يقارب ٣٦٥٠٠٠ ألف طالب سوري جديد إلى القطاع التعليمي ليزداد الأمر تعقيداً، فالإصلاحات المؤقتة التي حاولت الحكومة أن تقوم بها آنذاك لم تكن مجدية، بالإضافة إلى التعويضات والمساعدات التي دفعتها الأمم المتحدة التي لم تكن كافية أبداً، ليتحمل معها القطاع التربوي اللبناني مسؤولية تعليم الألاف والألاف من الإخوة السّوريون، لتتوسع فجوة انهيار القطاع أكثر فأكثر. ومع استشراس الأزمة ظهر إلى الواجهة مطالبات أميركية وأوروبية لتعليم النازحين السوريين بدوامات ما قبل الظهر ضمن حملة إبقاء النازحين على الأراضي اللبنانية. هذا الأمر يبدي مسؤولون تربويون في لبنان تخوفهم منه بظل قدرة السّوريين على تأمين الدولار الفريش على عكس الطّلاب اللّبنانيين. هذا وقد أكد البعض الآخر إلى أن بعضاً من جمعيات ngo’s قد بدأت بدعم النازحين السّوريين؛ ما سيدفع ببعض المدارس إلى إعطاء الأولوية للطالب السوري المدعوم على الطّالب اللبناني.
هجرة أدمغة
الوضع الاقتصادي وما رافقه من تهميش لحق الأساتذة، دفع بالعديد منهم إلى اتخاذ قرار الهجرة والاستقرار بالدول العربية والتعليم بها، علماً بأن الأستاذ اللبناني يعتبر من أهم الأساتذة بالوطن العربي، الأمر لم يتوقف هنا، بل بمباركة من وزارة التربية، وبتشجيع من المسؤولين اللبنانيين أعلنت وزارة التربية عن فرص هجرة للأساتذة من خلال إعلانها عن فرص عمل في دولة قطر لمختلف الأساتذة، مشجعة بذلك المُعلم على تقديم طلب الهجرة، ومغادرة لبنان، فبعدما تم تصفية الطاقم الطبي في لبنان، ها هي الدولة اللّبنانية تعمل على تصفية القطاع التربوي، إسوةً بالقطاع الصّحي، وبالأرقام فإن أكثر من ١٨٠٠ أستاذ قرروا أن يعمدوا إلى ترك لبنان نحو دول الخليج والعراق.
ومن زاوية الجامعة اللبنانية فالمصيبة أكبر، إذ أن كل أسبوع يودّع الزملاء زميلاً لهم على الأقل وذلك بداعي الهجرة، إذ أن عدد الأساتذة الجامعيين الذين تركوا التعليم الجامعي في لبنان يقدر بالآلاف تحديداً من المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، فنسبة المتعاقدين الذين باتوا خارج لبنان قد تجاوز ٥٠٪ في كل من كلية الطب، والهندسة، وإدارة الأعمال.
ومن هنا، لا شكّ بأن لوم الأستاذ هو مُحال، إذ أن معاشاتهم باتت لا تساوي ولا حتى نُطفة من عروض دول الخليج وغيرها من الدول.
تسرّب مدرسي
مع اندلاع ثورة ١٧تشرين، وما رافقها من تردٍ بالوضع الإقتصادي، انتشر التسرّب المدرسي في لبنان، ومن هنا يؤكد تقرير لليونيسيف بأن ما يقارب ٢٥٪ من العائلات اللبنانية كانت عاجزة تماماً عن تلبية احتياجات أولادها من لوازم متابعة العام الدراسي، ما أرغمها على وقف إرسال أولادها إلى المدرسة، وهذا الأمر يعود أولاً إلى أزمة ارتفاع كلفة النّقل إذ أن النقل بات يفوق في بعض الأحيان تكلفة التسجيل، أو لسبب عدم تأمُن السيولة المالية خاصة في المدارس التي قررت استكمال التعليم حضورياً، بوقت أثبت لبنان بأن البنى التّحتية هي غير مؤهلة ولا حتى ب١٠٪ إلى اعتماد عملية التعليم عن بعد سواء لناحية أزمة الكهرباء أو الإنترنت.
وعليه، ومع عجز الأهالي عن تأمين متطلبات المدارس الخاصة، كانت المدارس الرسمية هي الملاذ الطبيعي الذي سوف يتجه إليه الطالب في وقت تعاني المدارس الرسمية من مشاكل عديدة لا يمكن إحصائها أو معالجتها فهي تأتي نتاج إهمال وتهميش كبير لهذه المدارس. ومن هنا علامات استفهام عديدة تطرح حول مدى قدرة المدارس على استقبال الطّلاب المنتسبين مؤخراً إليها، بوقت تُسجل الأرقام ارتفاع ما يقارب ٤٠ ألف طالب جديد قرر الانتساب إلى المدارس الرسمية الأمر الذي دفع العديد من الإدارات إلى الإبقاء على التلاميذ القدماء، وعدم قبول أي طلب جديد.
ومن هنا، فإن بداية العام الدراسي لا تزال ضبابية، فمع استنزاف القدرات، والأدمغة، ومع إعلان الإضرابات والعصيان قبل بدء العام الجديد لا يزال السؤال المطروح هو:” كيف يمكن للمدارس أن تبدأ عامها الدراسي بظل هذه الصعوبات وهل هناك أي حلول تطرحها الجهات المعنية لأجل انتشال هذا العام من درك الظّلام؟؟” أسئلةٌ كبيرةٌ ومخيفةٌ سنكتشف أجوبتها في الأيام القليلة المقبلة.