Nouvelles Locales

عودة لافتة إلى إعداد المونة.. “مش عارفين شو ناطرنا

نداء الوطن

عديدة هي حالات التسمم الغذائي التي تسجّل في منطقة النبطية، كنتيجة حتمية لانقطاع الكهرباء ولسوء التخزين وانعدام الرقابة، التي إن حضرت، تكون خجولة أو حين تقع الكارثة، ما دفع بكثر للعودة إلى «الأكل البيتي» ولا عجب إن عادت «الكبكة» (قطعة خشبية تعلق في السقف تغطى بقطعة قماش لحفظ الأكل) الى أسقف المنازل لحفظ الأكل، ليصدق المثل الشعبي «غير قديمك ما بيدوم»، وبالتالي تصبح العودة الى المونة أمراً محتوماً.

تزايد أعداد الإصابات بالتسمّم الغذائي يطرح جملة تساؤلات حول «شو عم ناكل»؟ ولا تتوقف القضية عند التسمم بل تتعدّاها الى كلفة الطبابة، ما دفع ميرنا وكثيرات من ربات المنزل الى البدء بتحضير المونة البلدية تجنباً للتسمم الغذائي وللوقوف في صف طابور السلع الغذائية الذي يخشاه المواطن اليوم.

إنه زمن العودة للمونة خوفاً من فقدان المواد الغذائية، والذهاب إلى صف الطوابير، كما يحصل مع الخبز اليوم. فعلى رغم ارتفاع أسعار الخضار المخصّصة للمونة، إلا أن هناك تهافتاً غير مسبوق من قبل الأهالي لإعداد المونة البيتية، من كشك وملوخية، وصعتر، ومخللات، وسميد، ورب البندورة، وعدس ولبنة مكعزلة وغيرها من أصناف المونة التي تحفظ من دون براد، فالهدف ثلاثي الأبعاد: أولاً، إبعاد شبح الجوع لا سيما بعدما حذرت نقابة السلع الغذائية من نقص حاد في المواد الغذائية، ثانياً، تجنب التلوث الغذائي وتلف المواد الغذائية جراء انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي وتقنين الاشتراك، وثالثاً، لان 90 بالمئة من السلع المتوفرة حالياً ذات نوعية سيئة.

رغم أن كلفة إعداد المونة غالية الثمن نسبة إلى سعر المواد الأولية، غير أن قسماً كبيراً زرع خضاره من بندورة، خيار، قمح، باذنجان، ملوخية وغيرها أمام منزله، فالمونة اليوم باتت أهم من انتخاب الرئيس، بحسب ما يقول كثر، فالخشية من الأسوأ دفعت بربات المنازل لإعدادها. ليس مستغرباً أن تتهافت ربات المنازل على شراء البندورة اليوم لتحويلها شراباً او رب البندورة وحتى مخلّلات، فأسعار البندورة دخلت بازار السوق السوداء قبل أشهر وسجلت أرقاماً قياسية، وهذا ما تريد رانيا تجنّبه، فهي بدأت بإعداد المونة، «لانني أخشى الاسوأ، لا سيما مع نقص السلع الغذائية وارتفاع أسعارها»، وبحسبها «لا نريد أن نقف في طابور الحصول على السلع الغذائية كما يحصل معنا مع رغيف الخبز، مع المونة نحصّن غذاءنا»، ولا تخفي أن الكلفة ارتفعت مقارنة مع السنوات الماضية، ولكن أفضل من شح السلع وفقدانها ومع المونة نستطيع تحضير عشرات الأكلات من عدس وأرز، مجدرة، كمونة شراب، كبة بندورة، وغيرها من الوجبات الصحية».

قديماً، كانت المونة العمود الفقري للمنزل، وتعد «النملية» الركن الاساسي لحفظها، وكانت ربة المنزل تبدأ بتحضيرها مع بداية شهر آب، حيث تنطلق مع الكشك والملوخية، الى تقديد البامية وحفظ الفول وسلق القمح مروراً بتخزين كافة أنواع الحبوب، ولا تغفل عن إعداد المخللات والمربيات والمكدوس، مع تطور العصر، انحصرت المونة بشريحة قليلة، ولجأت ربات المنازل الى «المونة الجاهزة»، إلا أن أزمات لبنان أعادتهن الى هذا التراث، ناهيك عن أن فساد السلطة بدأ يخيف الناس من الدخول في ازمة غذاء، «اذا الكهرباء سرقوها ما رح يشفطو السلع كمان».

بين إعداد المونة للبيع وتحضيرها للمنزل، تنشغل ميرنا في تحضير الكشك الجنوبي، برأيها فهو «يعد ترويقة صحية ويغنينا عن الأجبان ذات الأثمان الباهظة، فأسعار اللبن ارتفعت، وكيلو الكشك تجاوز ألـ250 الف ليرة، ولكن افضل من كيلو جبنة بيضاء غير معروف مصدرها وبلا طعمة»، بل اكثر تقول «بدأت تحضير الأجبان في المنزل، فمع ارتفاع موادها الاولية تبقى أرخص من السوق، يجب ان نؤمن كل شيء، لا نعرف الى أين سيأخذنا حكامنا».

مع تراكم الازمات، تصبح المونة خلاص الناس هذه الأيام، «مع هذه الطبقة كل شيء وارد، بل أعادونا الى الوراء، الى زمن البساطة، ولا عجب إن عدنا الى الكبكة»، يقول ابو محمد منهمكاً بتحضير سلق القمح، فهو عادة ما كان يبيعه بمعظمه، «غير أنني هذا العام ضاعفت كميات المونة، مش عارفين شو ناطرنا، ينطلق ابو محمد من تحذيرات نقابة السلع الغذائية، فهي عادة ما تكون جرس إنذار لكارثة أكبر، الى جانب القمح يزرع ابو محمد الملوخية والفاصولياء والخضار، يبيع جزءاً منها والجزء الاكبر يذهب لمونة المنزل التي عادة ما تتكون من مكدوس باذنجان، كشك بلدي، سميد، فريك، ملوخية بامية وغيرها، فالوجبات ستكون من أكل الاجداد، يضحك ابو محمد ليقول «عدنا الى المجدرة والعدس والرز والبقلة وغيرها، اقله صحية وتبعدنا عن التلوث الغذائي». لا يخفي أن اولاده تعرّضوا للتسمم الغذائي جرّاء تناولهم ساندويشات شاورما من أحد المطاعم، ما كلفنا فاتورة استشفاء باهظة، المونة بتريح الراس، أقله لا تضرّ وصحية».

يسيطر مشهد قطاف الملوخية ورائحة الشراب وسلق القمح على قرى النبطية التي تشهد عودة كبيرة لمونة الأجداد، مونة لطالما كانت خلاصهم من الكوارث، الا أن مونة اليوم ستجنب الناس طوابير البحث عن السلع إن فقدت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى