Nouvelles Locales

جبران يرصد بدقّة.. لن يدفع المسيحيّون الثمن

د. جورج حرب

في لبنان، الوطن القائم على خطّ زلازل ناشطة ومستمرّة، لم تعرف الشعوب التي استوطنته السّلام إلّا في ظلّ سطوةٍ خارجيّة، وبعد كلّهزّة وهزّة، غالباً ما دفع المسيحيّون ثمن التسويات ومتفرّعاتها.

ولكي لا نعود عميقاً إلى الوراء، وهذا خارج اهتمام القارئ المتابع اليوم، نجد أنّ المسيحيّين قد دفعوا ثمن تسوية 1943 الميثاقيّة، بأن خسروا ثقة فرنسا والغرب إلى الأبد، ولم يكسبوا ثقة العرب،ولا يزالون يدفعون ثمنها حتّى اليوم. وفي تسوية 1958 بعد الثورة، دفع المسيحيّون ثمن التسوية الأميركيّة مع عبد الناصر، بإبعاد ممثّليهم الشعبيّين المتمثّلين بشمعون والجميّل وإدّه، واستبدالهم بالرئيس فؤاد شهاب البيروقراطيّ الذي طالما ابتعد عن السّياسة والسياسيّين. لقد نجح جزئيّاً في بناء دولة، ولكنّه لم يكن يمثّل الوجدان المسيحيّ، واعتبر المسيحيّون آنذاك رئاسته خسارةً سياسيّةً لهم، والثورة المضادّة التي خاضها المسيحيّون مع أولى حكوماته خير دليل.

وسنة 1982، خسر المسيحيّون مجدّداً باغتيال الرئيس بشير الجميّل والإتيان بأمين رئيساً، وفي 1989، خسروا أيضاً التسوية في الطائف، حيث أتى إيقاف الحرب على حسابهم هم فقط، عبر اجتزاء الحصّة الكبرى من مقوّمات صلاحيّاتهم، وبالتالي حضورهم في دوائر القرار في الدّولة، فخرجوا منها مكسورين بل مجروحين. لا من سأل عنهم دوليّاً، ولا من احتضنهم في الداخل ولا في الخارج، وتُركوا لمصيرهم بعد إبعاد زعمائهم إلى السّجون والمنفى.

اليوم، تحاول جهات دوليّة ومحلّيّة، أن تحمّل المسيحيّين بشخص رئيس الجمهوريّة، وزر الانهيار الحاصل، متناسيةً أسبابه ورجالاته ومافياته واختلاساته ومهندسي سقوطه، إذ، حين يحاول بعض الجهَلة المسيحيّين تحميل ميشال عون مسؤوليّة الانهيار، وحين يتلقّف الزعماء المسلمون الاتّهام، ويدعون إلى رئيس وسطيّ مستبعدين كلّ المرشّحين المسيحيّين الأقوياء، يعني هذا تحميل الانهيار الحاصل للمسيحيّين فقط، وتبعاتُه خلال التسوية المقبلة، لن تكون مغايرة لما حصل سنة 1943 و1958 و1982 و1989 واليوم 2022.

خيارات ميشال وعون وجبران باسيل وتحالفاتهما هذه المرّة مختلفة، وحسابات تجّار هيكل السياسة في لبنان ليست دقيقة، هما ربحا في الاستراتيجيا مع المقاومة في كل المعارك الخارجيّة والداخليّة العسكريّة، وربحا في الخيارات السياسيّة في الانتخابات،على رغم الدعم الخارجيّ الماليّ والاعلاميّ والسياسيّ لخصومهما، ربحا وأقاما احتفال نصر، واليوم، في السّياق الطبيعيّ للأمور، سوف يفرضان شروطهما.

منذ أيّام قابلت جبران باسيل، هو فاهمٌ اللعبة تماماً، وقارئ حذق للأحداث المقبلة، ويعرف كلّ ما يحضّرونه له، وفي المقابل لا يعرفون هم ما يحضّره لهم… هذه المرّة، التسوية لن تكون على حساب المسيحيّين، هي على حساب المتآمرين والجهَلة منهم، الذين لم يفهموا حتى الساعة، أنّ الحسابات الدوليّة تفتّش دائماً عن مصالحها… فقط مصالحها التي هم خارج دوائرها حتّى الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى