لأسباب عسكرية أو معيشية او انسانية، لا تعرف الاوضاع الامنية في ايران إلا الاضطرابات منذ أشهر. فبعد التظاهرات احتجاجا على الواقع الحياتي الاقتصادي الخانق، وعقب الاستهدافات الامنية لقادة عسكريين أو علماء نوويين او لمنشآت نووية وعسكرية في البلاد، ها هو الوضع يهتز مجددا بعد مقتل ناشطة ايرانية على يد النظام. فقد توفيت مهسا أميني (22 عاما) بعدما دخلت في غيبوبة في أعقاب إلقاء شرطة الأخلاق القبض عليها في طهران الأسبوع الماضي بحجة ارتدائها “ملابس غير ملائمة”، ما أثار احتجاجات في طهران وإقليم كردستان الذي تنحدر منه، وفي مناطق أخرى.
الشارع منذ 13 ايلول، لم يهدأ بعد والسلطة تقطع الاتصالات وتنقض على المتظاهرين وتقمعهم بالقوة، وفق المعلومات المتوافرة. وكالتا فارس وتسنيم الإيرانيتان للأنباء ذكرتا أن تظاهرة أقيمت مساء الأحد، في سنندج عاصمة محافظة كردستان في شمال غرب إيران من حيث تتحدر الشابة، فيما سارت تظاهرات أخرى، الإثنين، في جامعات عدة بالعاصمة، طهران. وأعلنت وكالة فارس أنه سار المئات في شارع الحجاب في وسط طهران، مساء الإثنين، مرددين “شعارات مناهضة للسلطات، وخلعت نساء الحجاب”. وأظهر شريط فيديو قصير نشرته الوكالة حشدا يضم عشرات الأشخاص بينهم نساء خلعن الحجاب وهتفن “الموت للجمهورية الإسلامية”. وقالت وكالة فارس “اعتقلت الشرطة عدة أشخاص وفرقت الحشود بالهراوات والغاز المسيل للدموع”. وذكرت وكالة تسنيم للأنباء أن تجمعا مماثلا جرى في مشهد أول مدينة مقدسة في البلاد (شمال شرق).
من جهتها، قالت منظمة حقوقية كردية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم في إيران الاثنين خلال احتجاجات في إقليم كردي على وفاة أميني. وقالت منظمة هنجاو المدافعة عن حقوق الإنسان عبر تويتر إن رجلين قُتلا عندما أطلقت قوات الأمن النار على المحتجين في مدينة سقز الكردية، مسقط رأس أميني. وأضافت أن رجلين آخرين قُتلا في بلدة ديواندره في “إطلاق نار مباشر”من قوات الأمن وقُتل خامس في دهكلان، بالمنطقة الكردية أيضا.
وفي وقت نفت الشرطة اي علاقة لها بمقتل اميني، اثارت وفاتها موجة ردود فعل شاجبة. فقد اعتبر البيت الأبيض أن مقتلها عملية مروعة وانتهاكا صارخا ضد حقوق الإنسان، وطالبت الولايات المتحدة طهران بوقف ممارسات العنف ضد المرأة وسلب حريتها، ومحاسبة من شارك في تعذيب مهسا أميني خلال فترة وجودها في السجن بسبب عدم ارتداء الحجاب. وفي حين دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الحكومة الإيرانية لإنهاء “الاضطهاد الممنهج” ضد النساء وطالب السلطات بالسماح بحرية الاحتجاج السلمي. وغرد عبر تويتر امس “كان يجب أن تكون مهسا أميني على قيد الحياة اليوم. وبدلا من ذلك، الولايات المتحدة والشعب الإيراني حزينين عليها. ندعو الحكومة الإيرانية إلى إنهاء اضطهادها الممنهج للنساء والسماح بالاحتجاج السلمي”. وفي السياق ذاته، نددت الأمم المتحدة امس بوفاة أميني وطالبت بإجراء تحقيق مستقل. كما أعربت عن “قلقها” حيال “القمع العنيف” للمتظاهرين الداعمين لمهسا أميني في إيران.
ووفق ما تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”، فإن كل هذه الأخطاء التي يراكمها النظام الايراني بقيادة الحرس الثوري وعلى رأسه المرشد علي خامنئي، اكان سياسيا او نوويا او انسانيا او اقتصاديا، تشد الطوق بشكل تدريجي حول عنقه وهي، اذا استمرت بالوتيرة عينها، سترتدّ سلبا عليه وسيدفع ثمنها، عاجلا ام آجلا. فإما يبدّل سلوكه ويصبح اكثر ديموقراطية وانخراطا في الانتظام الدولي واكثر بعدا عن الديكتاتورية وعن ثقافة القمع وتصدير الثورة والسلاح والصواريخ، وهو أمر صعب بما انه مبنيّ على هذه الأسس، او انه سيُهزم بالعقوبات وبالعزلة الدولية من الخارج وبالثورات الشعبية من الداخل.. فهل يرتدع ويستقي العبر من الديكتاتوريات التي سقطت قبله وانهارت او تكاد؟