لا يُلامُ أهالي الضحايا المفجوعون مهما شتموا النواب والوزراء وسائر المسؤولين. فاللحظات المؤلمة تغفر للمجروحين كلامهم العشوائي. وليس أقسى من فقدان أهل وأطفال كانوا يحاولون النجاة من واقع مزرٍ يرزح تحته كل لبنان وخصوصاً عاصمة الشمال.
نواب طرابلس خيارُ أهل المدينة، لم يُجبر أحدٌ الناخبين على ايصالهم الى البرلمان. فيهم الغث وفيهم السمين. فيهم شريك الفساد والتبعية وفيهم النزيه الذي يقاتل من اجل استعادة الدولة. لكن ليس لرئيس الحكومة بالتحديد التذمر من النعوت كونه عضواً رفيعاً وفاعلاً في السلطة منذ عقود. وهو لم يتورع في عهد حكومته الحالية عن إفقار الفقراء بتذويب اموال المودعين وبخطط التعافي التي تُنشر في المساء لتُنكر عند صياح الديك.
ومع الحزن العميق على من فُقدوا، يجب ألا نُضيِّع البوصلة ونغرق بالعواطف فتختلط علينا الأمور، على طريقة من يشتم ميقاتي وكل النواب فيما يمدح وزير “حزب الله” (الفرنساوي) علي حمية لأنه أرسل ممثلاً الى سورية لتسهيل عودة الجثامين، ثم يتابع بمدح النظام السوري متهماً كل الناس بالتآمر على اليائسين ودفعهم الى قوارب الموت.
انتهينا من نظرية “كلن يعني كلن”. كانت صالحة للتحشيد مطلع ثورة 17 تشرين. ثم بانَ الخيط الأبيض من الاسود، وعرفنا قوى المنظومة التي أفلست البلاد بعدما نهبتها وأباحت حدودها وسيادتها، مثلما عرفنا الأطراف التي ساندت الثورة مشارِكة أم مبارِكة، وبينها البطريركية المارونية التي قالت “لا تسكتوا” ودار الافتاء التي تبنت مطالب الناس، وهي أطراف لم تسرق ولم تنهب ولم ترسل شرطتها لإطلاق النار على عيون الثوار ولا ميليشياتها لحرق الخيم وتكسير العظام
كانت الانتخابات فرصة ذهبية أفقدَنا إياها نصف الناخبين الذين جددوا لممثلي المنظومة الناهبة، بالتكافل والتضامن مع الذين استنكفوا عن المشاركة في الاقتراع بحجج عبثية صبَّت في مصلحة التركيبة المتسلطة. هؤلاء أوصلونا الى شبه تعادل سلبي يحول دون التخلص من حكومة عقيمة ودون انتخاب فوري لرئيس شهم يُنسينا “مآثر” العهد القوي، ودون استعادة سيادة الدولة شرطاً للبدء بالاصلاح.
جثث الغارقين كلها في ذمة “المنظومة” كونها المسؤولة منذ ثلاثين عاماً عن السياسات التي أودت بالبلاد الى الهاوية ودفعت الناس الى ركوب انتحاري للمخاطر، وهي أيضاً في ذمة من اقترع لمن جربناهم فخانوا الثقة والمسؤولية الوطنية، مثلما أنها ستثقل ضمير من يحاول تكرار جريمة الإتيان برئيس “وفاقي” يفاخر بالانتماء الى خط الممانعة، أو بشخص “وسطي” رئاستُه صنيعة ضعفه وعجزه عن اتخاذ قرار إنقاذي.
قال لنا “لا تسكتوا”. ولأننا سكتنا، ها نحن نبكي.