على الرغم من أن الانشغالات السياسية انصبت في نهاية الأسبوع المنصرم على الاقتراح الخطي الذي قدّمه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة والأجواء الايجابية التي سرّبت حول احتمال التوصل إلى اتفاق حوله، إلا أن الوساطات التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة الميقاتية أو تعويمها لم تتوقف، وهي وفقاً لمصادر مطلعة ستبصر النور بكل تأكيد قبل نهاية العهد القوي.
وشدّدت المصادر لموقع “لبنان الكبير” على أنه بعد الجلسة “البروفا” للانتخابات الرئاسية التي عقدها مجلس النواب يوم الخميس المنصرم، والنتيجة التي أسفرت عنها “وهي كانت متوقعة”، فإن الوصول إلى مخرج يأتي برئيس “توافقي” للجمهورية ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، ولن يكون إلا بعد وصول الضوء الأخضر الاقليمي المربوط حكماً بالتفاهم الدولي لكي يرى لبنان رئيساً جديداً في بعبدا.
أضافت المصادر: “أمام هذا الواقع، فإن البحث عاد مجدداً ليتركّز على إحباط كل المعوقات التي يبتدعها النائب جبران باسيل ويحاول من خلالها إطالة عمر الأزمة سعياً الى تحقيق تقدّم ما على طريق إزالته العقوبات المفروضة عليه، علّه ينعش آماله بالرئاسة، إلا أن كل محاولاته أصبحت مكشوفة والضغوط التي يمارسها عليه حزب الله ستؤتي ثمارها بتراجعه عن مطالبه
وحكاية مطالب باسيل وعراقيله أصبحت ممجوجة ومستعادة في كل مرة يصار فيها إلى تشكيل حكومة جديدة، أكانت قبل ولاية عمه في قصر بعبدا أم عندما كان “العم” جنرالاً في الرابية، لذا فإن باسيل الذي أصبح مدركاً بالواقع الملموس أنه لن يستطيع الحصول على طلباته بعد خروج الرئيس عون من بعبدا، يحاول بشتى الوسائل تحقيق ما أمكنه منها في الحكومة التي ستتولى حكماً شؤون الرئاسة وكالة لصعوبة التوافق على انتخاب رئيس جديد.
لكن المصادر أكدت أن الوضع اليوم يختلف عما كان عليه في الماضي البعيد والقريب، خصوصاً وأن “حزب الله” الذي يريد أن “يحتفل” بتحقيقه انتصاراً في قضية ترسيم الحدود البحرية، بحاجة ماسة إلى حكومة مكتملة الصلاحيات تستطيع توقيع “الاتفاق” مع العدو الاسرائيلي وبالتالي الشروع في عملية “إعادة” استدراج العروض للتنقيب واستخراج النفط والغاز المحتمل وجوده في المياه اللبنانية، خاصة وأن شركة “توتال” الفرنسية أبدت استعداداً للعودة الى التنقيب في المياه اللبنانية شرط توافر بيئة “مستقرة” أمنياً وسياسياً لتتمكن من القيام بمهماتها.
وانطلاقاً من هذا الادراك، يمارس “حزب الله” ضغوطه ويفعّل محركاته في اتجاه القصرين الرئاسي والحكومي بوساطة اللواء ابراهيم، لاقناع الفريقين بالتخفيف من الشروط والشروط المضادة، لكي يصار إلى تشكيل الحكومة العتيدة والتي أصبح وفقاً للمصادر عينها، “تعويماً” للحكومة الحالية مع تغيير بضعة وزراء فيها.
ويبدو أن الوساطة نجحت حتى الآن في إسقاط المطلب الذي تقدّم به باسيل وطرحه الرئيس عون على الرئيس ميقاتي بإضافة ستة وزراء دولة من السياسيين “لحماية” الحكومة في مرحلة الشغور الرئاسي، وهو أمر كان رفضه ميقاتي بالمطلق ويبدو أن عون تراجع عنه نتيجة الوساطة “الحزباللاوية”، بحيث أن بقاء وزراء الحزب في الحكومة يشكل “الحماية” المطلوبة من عون وباسيل لهما وللحكومة نفسها.
غير أن “شياطين” باسيل لم تمحَ بالكامل، فبعدما كان الاتفاق المبدئي بين الرئيسين قد رسا على استبدال وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام بوزير من عكار يختاره الرئيس عون، واستبدال وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين بوزير يسميه عون أيضاً لكنه لا يكون مستفزاً بالنسبة الى رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، عاد باسيل ليطلب استبدال وزير الشباب والرياضة جورج كلاس بالنائب “العوني- الباسيلي” السابق ادي معلوف، إلى جانب استبدال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي برجل الأعمال المقرّب “جداً” من عون والمقيم في الكويت وديع العبسي.
لكن زيارة قام بها رئيس “الحزب الديموقراطي” النائب السابق طلال أرسلان إلى قصر بعبدا، والاجتماع الماراتوني “غير المفهوم” الذي عقده أرسلان مع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، أفضيا إلى نتيجة تمسّك أرسلان بالوزير شرف الدين، وهو أمر لا يمانع جنبلاط حصوله كي لا يقال انه يحاول احتكار التمثيل الدرزي وإلغاء بيت أرسلان سياسياً، لكن العقدة تكمن في رفض ميقاتي بقاء شرف الدين الذي أًصبحت لديه مشكلة شخصية في “التعاطي” معه.
كما يرفض ميقاتي فكرة توزير “خاسرين” في النيابة، ولذلك فإن طلب استبدال كلاس بمعلوف يجعل من المقاييس المعمول بها مختلة وهو أمر تمكّن اللواء ابراهيم من حلّه أيضاً بحيث تراجعت الفكرة ورسا الأمر على بقاء كلاس، لكن مع امتعاض باسيل من فكرة بقاء الشامي الذي يمثّل الحزب “السوري القومي الاجتماعي” الذي فقد أيضاً جميع مقاعده النيابية في الانتخابات الأخيرة، غير أن حجة ميقاتي هي أن الشامي هو من تولى إدارة ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ويجب أن يستمر في أداء هذه المهمة في المرحلة المقبلة.
ورأت المصادر التي أشارت إلى كل هذه العقد، أن استبعاد إمكان انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، يجعل من مسألة تشكيل حكومة أو تعويم الحكومة الحالية، في رأس اهتمامات “حزب الله” الذي لم يعد يرى بديلاً لوجود حكومة مكتملة الصلاحيات قبل نهاية ولاية عون، وهو بالتالي سيستمر في بذل ما أمكنه للخروج بالنتيجة التي يرغب فيها وهي سقوط كل مبررات “الفوضى الدستورية” التي بشّر بها باسيل اللبنانيين قبل فترة برفضه إيكال صلاحيات الرئاسة إلى حكومة تصريف أعمال، مشيراً إلى أن الشعار الحالي للحزب أًصبح “حكومة… حتماً”.