لا يشذّ طرح اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون على لائحة المرشّحين لرئاسة الجمهورية، عن تاريخ قادة الجيش في لبنان في حصْد لقب «فخامة العماد».
المسافةُ بين اليرزة، حيث مقر قيادة الجيش ووزارة الدفاع، وبين قصر بعبدا قصيرةٌ لا تتعدى الكيلومترات القليلة.
وقادة الجيش الموارنة منذ أن انتُخب اللواء فؤاد شهاب عام 1958 رئيساً للجمهورية وأسس لمدرسةٍ سياسية عُرفت لاحقاً بالشهابية، أصبحوا يطمحون لتكرار التجربة نفسها.
وبعد انتخاب الرئيس عون، كان العماد جوزاف عون أوّل المرشحين على لائحته لتسلُّم قيادة الجيش خَلَفاً لقهوجي.
علماً أن الأخير وقائد الجيش الحالي كانا قد عملا تحت إمرة الجنرال ميشال عون في المؤسسة العسكرية.
وحين تَسَلَّمَ عون رئاسة الجمهورية عيّن جوزاف عون قائداً للجيش، والأخير عيّن العميد طوني منصور مديراً للمخابرات وهو كان أيضاً مقرباً من رئيس الجمهورية. وساهمت عملية «فجر الجرود» التي قام بها الجيش ضد التنظيمات الارهابية عام 2017 في تعزيز العلاقة بين قيادة الجيش وقصر بعبدا. لكن الخلافات لاحقاً بدأت تظهر بين رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش ومديرية المخابرات، وسببُها الأساسي علاقة الوزير جبران باسيل بكل من قائد الجيش – الذي كان رئيس «التيار الوطني الحر» (باسيل) يرى فيه مرشحاً متوقَّعاً – ومدير المخابرات، وكلاهما لم يستجيبا لطلبات باسيل في كثير من التعيينات العسكرية. وزاد لاحقاً من حدة الخلاف تعيين النائب الياس بو صعب المحسوب على باسيل وزيراً للدفاع وتَكاثُر الإشكالات بينه وبين قيادة الجيش
رفض رئيس الجمهورية التمديد لمنصور في مديرية المخابرات، رغم حرص واشنطن على التمديد له، علماً أن التعيين يعود الى قائد الجيش الذي يستمزج عادةً رئيس الجمهورية.
تفاقمت الخلافات بين الطرفين في ظل حادثة قبرشمون (صيف 2019) التي كان سببها زيارة باسيل لمنطقة عاليه وما حصل فيها من استفزازات أدت الى مقتل شابيْن مناصريْن للوزير طلال ارسلان، ومن ثم تظاهرات 17 تشرين الأوّل 2019 التي رفض فيها الجيش الاصطدام بالمتظاهرين وفتْح الطرق بالقوة ولا سيما طرق جل الديب وجونية والطريق الساحلية المؤدية الى البترون حيث مسقط رأس باسيل.
ومع التظاهرات التي أصابت بقوةٍ العهدَ وباسيل وتَرافُقِها مع عقوباتٍ أميركية على الأخير، ارتفعتْ أسهمُ قائد الجيش بحُكْم الأمر الواقع. إلا أن التحدي الأكبر الذي واجهه قائد الجيش كان في ملفين:
الأول ترسيم الحدود البحرية بعدما كان الجيش الذي كُلف مهمة التفاوض غير المباشر وتحضير ملف الترسيم، يصرّ على نقطة 29 بحراً، إلا أن القصر الجمهوري أصرّ على النقطة 23 وسحب ملف الترسيم من يد الجيش وخصوصاً بعد تسلم بو صعب المهمة مكلّفاً من الرئيس عون.
والثاني الانهيار المالي الذي أصاب المؤسسة ورواتب عسكرييها، إلا أن العماد جوزاف عون عمل على تأمين هبات، ومنها أخيراً هبة قطرية تقدّم من خلالها مئة دولار لكل عسكري من كل الرواتب لمدة ستة أشهر، في انتظار أن تتبلور صيغة مؤتمر دولي كان يُعَدّ برعاية الأمم المتحدة لتأمين مساعدات للجيش. مع العلم ان الجيش تمتع بصدقية خلال انفجار مرفأ بيروت إذ أصرّ عدد من الدول، ونتيجة تداول الكثير من أخبار الفساد المستشري في السلطة اللبنانية، على أن يتولى الجيش حصراً استلام الهبات وتوزيعها.
يحرص قائد الجيش على تفادي دخول الملف الرئاسي، وهي عادةُ قادة الجيش في عدم التصريح السياسي والإدلاء بأي تلميحات رئاسية. وكل الكلام الذي يُدْلي به قائد الجيش يقوله أمام ضباطه، ويحيط نفسه بحلقة ضيقة من سياسيين ومستشارين يتولّون عادةً الإضاءة عليه في صورة مُقَنَّعة أو مكشوفة.
لا يَخْرُج العماد جوزاف عون عن مسار علاقةِ مَن سبقوه بالولايات المتحدة التي تقدّم مساعداتٍ وهبات إلى الجيش، ولا سيما أن أعتدةَ المؤسسة أميركية، والعلاقة بينهما ثابتة إذ يزور قائد الجيش واشنطن دورياً. إلا أن أي زيارة لأي دولة في مرحلة الانتخابات الرئاسية تصبح تحت الضوء، مثل زيارات الجنرال عون لباريس وواشنطن والفاتيكان والعراق أخيراً، وكلّها محطات يتم التعاطي معها على أنها تصبّ في خانة تعزيز موقعه الرئاسي المستقبلي.
يَنتظر قائد الجيش كما جميع المرشحين الموضوعة أسماؤهم على الطاولة انتهاءَ العهد حتى يُبنى على الشيء مقتضاه. وهو يعلم أن أي قرار بانتقاله إلى قصر بعبدا لن يكون محلياً رغم أن علاقات جيدة تربطه مع غالبية الاطراف، وهي تحسنت في المرحلة الاخيرة مع «حزب الله»، لكنها لا تزال متعثرّة مع التيار الوطني الحر ومرّت بفترة حرِجة مع «تيار المردة» (بزعامة سليمان فرنجية). فالناخبون الكبار لم يتخذوا أي قرار بعد في شأن الانتخابات الرئاسية.
وحتى يحين موعد الرئاسة، سيكون قائد الجيش في الضوء بصفته من المرجعيات الأساسية التي ستكون شريكة في إدارة الأزمة وخصوصاً إذا تَعَثَّرَ تشكيل الحكومة الجديدة قبل 31 الجاري.