بات مؤكدّاً أن التاريخ سيسجّل لرئيس “العهد القوي” ميشال عون أنه كان صاحب أسوأ سجل بين رؤساء الجمهورية اللبنانية، لكن لعلّ الاتفاق المتوقع توقيعه خلال الأسبوع المقبل والمتعلق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في مياه البحر الأبيض المتوسط قد شكّل علامة فارقة لصالحه، وباستطاعته أن يسجّل علامة فارقة إضافية قبل مغادرته قصر بعبدا في الحادي والثلاثين من الشهر الحالي بأن يمهر مرسوم تشكيل الحكومة الأخيرة في عهده بتوقيعه، فيغادر مطمئناً إلى عدم وقوع البلاد في أزمة دستورية غير مسبوقة ستجّرها إلى فوضى دستورية كما بشّر صهره “السلطان” جبران باسيل.
هل سيفعلها الرئيس عون؟ سؤال بات يتردّد بصورة كبيرة في الأيام الحالية والفاصلة عن نهاية “العهد القوي”، خصوصاً بعدما كشفت معلومات خاصة عن حركة مكوكية يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قاطعاً المسافة بين “ميرنا الشالوحي” والسراي الكبير سعياً الى تضييق فجوة الخلاف التي تسببت بها مطالب باسيل التعجيزية وإخراج أزمة التشكيل الحكومي من عنق الزجاجة.
لم يعد خافياً على أحد أن توقيع الاتفاق الحدودي البحري، ووفقاً لتصريحات محلية وإقليمية ودولية، سيضع لبنان على طريق الدخول إلى نادي الدول النفطية، ولو بعد حين، لكنه سيعيد سريعاً إلى البلاد نوعاً من الاستقرار الذي تتطلبه بشدة أولاً لكون الاتفاق يشكّل جاذباً للاستثمارات التي تحتاج إليها، ولأنه يعيد الثقة التي تترجم لاحقاً بصورة أفضل مع الانتهاء من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يراقب “تمرير” الاصلاحات التي يطلبها في مجلس النواب، وآخرها كان إقرار قانون السرية المصرفية.
وكان “التيار الوطني الحر” قد شنّ حملة إعلامية مباشرة وبواسطة مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للاشادة بالدور الذي قام به عون للوصول إلى الاتفاق مع العدو الصهيوني من خلال وساطة أميركية، وأعاد إليه الفضل في الوصول إلى هذه المرحلة، مذكّراً بأن عون باشر عهده بإمرار قوانين النفط والغاز وينهيه بإقرار اتفاق الحدود البحرية.
قد يكون ذلك صحيحاً إذا ما أردنا تبسيط الأمور وعدم الدخول في التفاصيل الاقليمية والدولية التي كانت في الواقع هي السبب المباشر في الوصول إلى هذا الاتفاق، غير أن الوضع الاقتصادي العام في البلاد لا يزال يشهد تقهقراً يزيد من بؤس اللبنانيين ويعكّر عليهم صفو عيشهم، ومن هنا تبرز أهمية تشكيل حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات لكي تكمل خطوات الانتعاش المرتقبة والتي لا تستطيع حكومة تصريف الأعمال القيام بها.
ومن دون الغوص في الاشكاليات الدستورية ومدى صلاحية حكومة تصريف الأعمال في تولي مهام الرئاسة وكالة عند نهاية العهد، فإن تشكيل حكومة جديدة ينهي هذا الجدل البيزنطي السائد حالياً والذي يدعم كل فريق وجهة نظره السلبية أو الايجابية حيال هذه المسألة بتفسيرات دستورية “غب الطلب”.
وما يعوق تشكيل هذه الحكومة هو “السلطان” نفسه الذي بات يظهر على وسائل الاعلام بصورة شبه يومية لكي يبشّر بالفوضى وأبعد منها، من دون إيضاح هذا “الأبعد”، ويعرض مطالبه من خلف الستارة من خلال استقبال موفدي “حزب الله” بصورة علنية أو سرية، ومن خلال إبلاغ الرسائل بالمباشر إلى اللواء إبراهيم الذي يتولى التخفيف منها ونقل الممكن إلى الرئيس ميقاتي والعكس.
ووفقاً لآخر المعطيات المتوافرة، كشفت مصادر معنية لموقع “لبنان الكبير” أن الفجوة بدأت تضيق فعلاً بين باسيل وميقاتي، لكن يبقى الرأي الأخير للرئيس عون، وهذا ما يدفع المصادر الى التساؤل عما إذا كان الرئيس يريد فعلاً إنهاء عهده بالتوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة الحالية أو تعويمها مع تعديلات طفيفة على الأسماء والحقائب، أم أنه سيستمر في الرضوخ لمطالب صهره الذي لا هم لديه اليوم سوى تأمين الحد الأدنى من الموقع داخل التركيبة السياسية والذي سيفقده بالتأكيد بعد نهاية عهد “العم”.
وأشارت المصادر الى أن التصلّب الذي كان يبديه الرئيس ميقاتي تجاه شرط باسيل باستبدال كل أسماء الوزراء المسيحيين المحسوبين عليه، قد لان نتيجة تراجع باسيل عن هذا الطلب والاكتفاء بتعديل أسماء وزيرين أو ثلاثة وزراء مسيحيين كحد أقصى، مقابل أن يقوم ميقاتي باستبدال العدد نفسه من الوزراء المسلمين، لكي يتجنّب تعديلاً كبيراً في أسماء وحقائب وزراء حكومته الحالية وبالتالي الدخول في نقاشات ستطول حول البيان الوزراي ويبعد موعد مثول الحكومة أمام المجلس النيابي للحصول على ثقته.
ويسعى ميقاتي الذي يعتمد على الضغط “الجدي” الذي يمارسه “حزب الله” على حليفه المسيحي، إلى إنجاز التعديل الذي يريده على حكومته لكي تصبح “مكتملة” الصلاحيات قبل نهاية ولاية الرئيس عون، ويتفرّغ بعد الشغور الرئاسي الذي بات بحكم المؤكد إلى إنجاز الخطوات المطلوبة من البنك الدولي، لكي يستطيع أن يضع لبنان على طريق التعافي الصحيح الذي لا باب لولوجه إلا من خلال المؤسسة الدولية.
فهل سيفعلها الرئيس عون ويستجيب إلى الرغبة الاقليمية والدولية في تشكيل حكومة قبل نهاية عهده، علماً أن هاتين الجهتين تضغطان باتجاه إنجاز الاستحقاق الأهم المتمثل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، فيُسجل لصالحه “إنجاز” يمحو الصورة السوداء التي وصمت ولايته؟
هذا هو المطلوب فخامة الرئيس، ومستقبل البلاد والعباد أولى بكثير من مستقبل الصهر السياسي، واللبيب من الاشارة يفهم.