على وقع “الغزوات” التي تعرضت لها المصارف اللبنانية في الأيام الماضية والتي تنبئ بتطور خطير قد يتعرّض معه الوضع الأمني إلى الانفلات، ومع تيّقن معظم القوى السياسية بأن الانتخابات الرئاسية مؤجلة إلى ما بعد المواعيد الدستورية، ارتفعت أسهم تشكيل حكومة في آخر أيام العهد “القوي” نتيجة الضغوط التي يمارسها “حزب الله” على مختلف الفرقاء المعنيين، لكن يبقى السؤال الأهم وهو هل سيرضخ رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لهذه الضغوط أم سيكون أعصى من أن يتمكن الحزب من تليين مواقفه؟
وإذا كانت المؤشرات على ارتفاع أسهم التشكيل قد تجلّت في المعلومات التي تحدثت عن تراجع الرئيس ميشال عون وباسيل عن “فكرة” ضم ستة وزراء سياسيين إلى الحكومة الحالية، كما في التسريبات المتعلقة بليونة أبداها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي وتتعلق بتراجعه عن فكرة تغيير وزيري الاقتصاد أمين سلام والمهجرين عصام شرف الدين، والابقاء على حكومة تصريف الأعمال وإعادة إصدار مراسيمها من جديد لمثولها أمام المجلس النيابي لنيل ثقته، فإن تطوراً برز خلال مناقشة مجلس النواب مشروع موازنة العام 2022 تمثّل في الامتعاض الذي أبداه الرئيس نبيه بري من أداء وزير المالية يوسف خليل المحسوب عليه، وتسريب معلومات عن استبداله بالنائب والوزير السابق ياسين جابر.
لكن جوهر الموضوع يبقى في نجاح “حزب الله” في الضغط على باسيل لكي يتراجع عن شروطه التي كانت سبباً في عدم توصل الرئيسين عون وميقاتي إلى تفاهم حول الحكومة العتيدة، وكما في جميع مراحل تشكيل الحكومات السابقة خلال العهد “القوي”. وفي هذا الاطار، تكشف مصادر مقرّبة من “الثنائي الشيعي” لموقع “لبنان الكبير” أن الحزب جاد في سعيه الى تشكيل حكومة هو بأمس الحاجة إليها في المرحلة الراهنة خصوصاً وأن مسألة ترسيم الحدود البحرية تشكّل هاجساً بالنسبة اليه ولن يستطيع معالجتها في حال الشغور الرئاسي المتوقع وفي ظل حكومة تصريف الأعمال.
وتقول المصادر: “حزب الله جاد في سعيه إلى تشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات، وهو في هذا الاطار يقود مفاوضات جدية بين باسيل وميقاتي بهدف التوصل إلى صيغة تفاهم لا تجعل ميقاتي يخرج منها منتصراً ولا ينكسر باسيل، والعكس صحيح أيضاً”.
وحول مطالب باسيل، توضح المصادر: “تراجع الرئيس عون مبدئياً عن فكرة ضم ستة وزراء دولة من السياسيين كان باسيل يرغب من خلالهم في التمسّك بقرار الحكومة الميقاتية عبر الحصول على ثلث معطّل واضح، غير أن إقناعه لم يكن صعباً في هذا المجال إذ في حال تحوّل الحكومة إلى حكومة تملك صلاحيات الرئاسة وكالة في حالة الشغور المتوقع، فإن كل وزير بمفرده سيشكل ثلثاً معطلاً وهذه كانت الحال في حكومة الرئيس تمام سلام مع نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، وباسيل كان وزيراً فيها”.
في المقابل، تشكّك مصادر قريبة من كتلة “اللقاء الديموقراطي” في إمكان الوصول إلى حل لمشكلة التأليف على الرغم من ضغوط “حزب الله” لأن باسيل يريد أن يملك كلمة الفصل في الحكومة العتيدة، وأن يكون له دور رئيس في اختيار رئيس الجمهورية المقبل خصوصاً وأن حظوظه وحظوظ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تراجعت بصورة كبيرة.
وتقول المصادر: “مين جرّب المجرّب كان عقله مخرب، والتجارب المريرة مع النائب باسيل تجعل من إمكان تليين موقفه بالنسبة الى تشكيل الحكومة مرتبطاً بحصوله على أوراق قوة يملكها اليوم ويخشى فقدانها بعد انتهاء ولاية عمه، وهو لن يتنازل عن هذا المطلب، أو فلنقل كلما تراجع الرئيس ميقاتي خطوة، زاد باسيل من عناده ومطالبه”.
وتضيف: “لا نعرف من هو أقوى في العلاقة القائمة بين باسيل وحزب الله، فالأخير قدّم لباسيل خلال السنوات الست الماضية ما لم يحلم به نتيجة حاجة الحزب إلى الغطاء المسيحي الذي كان يؤمنه له، لكن الحزب في المقابل لم يعد بحاجة الى مثل هذا الغطاء في ظل الأوضاع الاقليمية المتوترة والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالاتفاق النووي الذي لا يبدو أنه قريب المنال، وقضية ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني التي تأتي في المقام الأول من اهتمامات الحزب في المرحلة الراهنة والقريبة”.
وكان الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله كشف في خطابه الأخير عن الحاجة الضرورية الى تشكيل حكومة، خصوصاً وأن الانتخابات الرئاسية يبدو أنها أصبحت في حكم المؤجلة، وهو في هذا الصدد لم يسمّ مرشحه للرئاسة، علماً أنه يؤيد ضمناً وصول شخصية مؤيدة له ولخطه السياسي كالوزير السابق سليمان فرنجية الذي يشكّل بالنسبة الى الفريق المعارض تحدّياً قد يقابله ترشيح شخصية معارضة تشكّل تحدياً بالنسبة الى “حزب الله”.
وفي المعلومات الأمنية التي يتم التداول بها وتسريبها عبر بعض المواقع الاخبارية، فإن “الانفجار الاجتماعي” المتوقع قد يجعل من السياسة والاستحقاقات الرئاسية آخر الهموم خصوصاً وأن القوى الأمنية تعاني مثلها مثل باقي مكونات الشعب اللبناني، وهي في هذا الإطار قد تتقاعس عن تلبية أوامر السلطة السياسية أو قياداتها العليا في مواجهة الغضب الشعبي الذي قد يكون “تنفسية” تعبّر عما يعانيه عناصر هذه القوى.
يبقى أن التطورات التي قد تدفع الجيش اللبناني إلى الواجهة مجدداً يمكن أن تكون السبيل إلى إيصال قائده العماد جوزاف عون إلى كرسي بعبداً كمطلب توافقي بين مختلف القوى السياسية والتي لا يبدو أن “حزب الله” بعيد عنها، على الرغم من بعض التسريبات التي تحدثّت عن مؤامرة تضع الجيش في مواجهة الحزب وسلاحه في الداخل، وهو ما قد يطيح بكل محاولات التوافق ويضع لبنان فعلياً أمام المستقبل المجهول والغامض ويعرّض فكرة الكيان برمته للخطر.