
نادي الشرق لحوار الحضارات يشارك في مؤتمر:”الروم الكاثوليك، من ريادة التأسيس .. الى هواجس المصير”
شارك وفد من نادي الشرق لحوار الحضارات في اللقاء الذي دعت اليه حركة ”التجدد للوطن” لاطلاق وثيقتها التأسيسية في مؤتمر تشاركي بعنوان :”الروم الكاثوليك، من ريادة التأسيس .. الى هواجس المصير ”. ضم الوفد رئيس نادي الشرق لحوار الحضارات الدكتور ايلي السرغاني، نائب الرئيس المحامي عبد اللطيف سنو، الدكتور فوزي بيطار.
حضر اللقاء بطريرك انطاكيا و سائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، المطارنة: ادوار ضاهر، ايلي حداد، جورج بقعوني، جورج اسكندر، كيرلس بسترس و النواب: ميشال موسى، جورج عقيص، ملحم رياشي، غادة ايوب، ،رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي شارل عربيد ، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ، الوزير السابق الان حكيم، رئيس بلدية زحلة اسعد زغيب ،رئيس بلدية القاع بشير مطر ، رئيس بلدية المختارة روجيه العشي، وعدد من المدراء العامين والشخصيات القضائية والامنية و الاقتصادية والفنية والاعلامية من ابناء طائفة الروم الكاثوليك واعضاء حركة التجدد.
بعد النشيد الوطني اللبناني كلمة ترحيب من الاعلامي بسام أبو زید. جاء فيها:
“الروم الكاثوليك من ريادة التأسيس إلى هواجس المصير”
هذا هو عنوان مؤتمرنا اليوم على خلفية دور هذه الطائفة على الصعيد الوطني بعيدا عن التجاذبات والصراعات السياسية،والهدف هو إظهار الدور الأساسي الذي لعبته وتلعبه هذه الطائفة على مستويات مختلفة في الوطن ما ترك بصمات مضيئة
هذا المؤتمر تشارك فيه شخصيات تمثل بالدرجة الأولى قوى الإنتاج و أصحاب المهن الحرة،ودعيت للمشاركة شخصيات من أبناء الطائفة في حلقات تضيء على جوانب كثيرة من تاريخ هذه الطائفة وحاضرها ومدى فعاليتها في المجتمع اللبناني
التحرك هذا يهدف إلى محاولة للتجدد في التعاطي مع القضايا الوطنية والاجتماعية،وهو ليس محاولة لأخذ دور أحد او مصادرة أدوار أخرى يلعبها بعض أبناء الطائفة،ما نريده ونسعى إليه هو أن تتكامل كل الجهود وأن نشكل قوة ضغط في داخل الطائفة وخارجها عاملين على أن تكون لدينا كلمة وازنة ومحسوبة من أجل ألا يبقى اي تهميش يمارس بحقنا.
في هذا الزمن الصعب الذي يمر به وطننا،وفي الزمن الذي ننشد فيه الخلاص من أزماتنا،تأتي هذه الخطوة الثابتة والراسخة لتكون تحد للمجموعة التي أطلقت حال التجدد هذه،تحد يفترض بنا جميعا كأبناء طائفة الروم الكاثوليك أن نعمل على إنجاحه،وأن نثبت للمشككين والرافضين والمنتظرين أننا على صواب وعلى حسن دراية بكيفية إعادة هذه الطائفة إلى الضوء فلا يكون من خيار أمامهم سوى الالتحاق بمسيرة التجدد للوطن.
ثم كانت كـلـمــة لغـبـطــة الـبـطـریــرك یـوســف
الـعـبـســي الذي قال: أيّها الإخوة والأبناء المحبوبون، السلام لكم.
بهذه التحيّة التي كان السيّد المسيح يحيّي بها رسله وتلاميذه أحيّيكم، راجيًا أن يكون اللقاء الذي يجمعنا اليوم مبنيًّا على السلام، السلام مع الذات والسلام مع الغير والسلام مع الله، لأنّ السلام هو أساس الاستقرار والازدهار والسعادة في كلّ لقاء أو تجمّع بشريّ، لأنّ السلام هو أكبر عطيّة للبشريّة من الله على الأرض، حتّى إنّ السيّد المسيح في ليلة الوداع ما ترك لنا سوى السلام حين قال لرسله: “السلام أستودعكم. سلامي أعطيكم” (يوحنّا 14: 27).
لقد اخترتم عنوانًا هو “التجدّد للوطن”. التجدّد غير التجديد. التجدّد يعني أن يبدأ الجديد الذي نبغيه فينا، أن نبدأ فنجدّد نحن أنفسنا قبل أن نجدّد الآخرين، حتّى الوطن، أو أن نطلب منهم أن يتجدّدوا. هذا ما جئنا نَبغيه وهو محور لقاء اليوم. هذه هي نقطة الارتكاز التي أردتم أن تبنوا عليها. أن نجدّد ذهنيّتنا، عقليّتنا، مفاهيمنا، أنماط تفكيرنا وعملنا. ذلك لا يكون إلاّ بأن نتخلّى عن أنماط وكليشيهات كانت صالحة ومفيدة في الماضي بيد أنّها ما عادت تصلح وتفيد في أيّامنا. وأوّل خطوة في التجدّد المنشود هو أن نعرف ذاتنا، أن نعرف من نحن، أن نعرف ماذا وكيف ولماذا نعمل، أن نعرف بماذا وكيف ولماذا نفكّر، عملاً بالحكمة اليونانيّة المأثورة: “إعرف نفسك”. والبرنامج الذي بين أيدينا يدلّ على أنّكم انطلقتم من هذه النقطة، من استكشاف الذات. وهذا عمل لا يُستهان به يتطلّب شجاعة وصدقًا وإخلاصًا وتضحية
ثمّ إنّ التجدّد يقوم على ما نريده ليومنا وغدنا، لحاضرنا ومستقبلنا. لا يقوم التجدّد ولا يأتي بثمر إن كان مبنيًّا على التحسّر على ماض أو على الانتقاد واللوم بل يقوم التجدّد على التخطيط بنظرة ثاقبة للحاضر والمستقبل. ما جئنا إلى هنا لكي نبني على أشياء ننتقدها، إذ لا ينفع الانتقاد، بل جئنا لنبني على رؤية جديدة. هناك كلام ما عاد مقبولاً اليوم، كلام لا يصدر عنه إلاّ التشويش والتشكيك والزعزعة والفوضى. الناس في حاجة إلى كلام جديد، إلى خطاب جديد يصدر عنه أعمال جديدة. يقول القدّيس بولس: “ينبغي لكم أن تخلعوا عنكم، في ما هو من أمر حياتكم السالفة، الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الغرور وأن تتجدّدوا في صميم أذهانكم وأن تلبسوا الإنسان الجديد الذي خُلق على مثال الله في البرّ وقداسة الحقّ” (أف 4: 22-24. راجع أيضًا كول 3: 8-10). ما نحن قائمون به الآن مسؤوليّة كبيرة وجسيمة يجب أن ندرك مداها وقيمتها معًا. لا يكفي أن نفرّغ هنا ما بجعبتنا، ما في قلبنا وفكرنا، ونمشي. يجب أن نعمّر وننهض، أن نرى ما هو الجديد الذي نسعى إليه وأن نصنع هذا الجديد وأن نتابع صنعه كلّ يوم. علينا أن نجابه ونتخطّى كلّ الصعوبات والعقبات لأنّنا أبناء الرجاء.
في أحد الأيّام إذ كان الرسل مختبئين في العلّيّة خوفًا من المصير، بعد أن رأوا معلّمهم معلّقًا على الصليب وموارًى في قب، ظهر لهم يسوع وقال لهم: “السلام لكم […] لمَ هذه الهواجس تنبعث في قلوبكم؟ […] إنّي أنا هو” (لوقا24: 36-39). أيّها الأحبّاء، نحن ليس عندنا هواجس. نحن لا تقعدنا الهواجس. نحن عندنا أحلام وعزائم وإرادات. أنتم هنا. وهذا أكبر برهان على أنّكم أبناء القيامة وأبناء الرجاء.
هذا إذا أردنا أن نكون “قيمة مضافة” كما نردّد، إذا أردنا أن يكون لنا لون خاصّ وطعم خاصّ. لذلك نحن لا نريد أن نكون طائفة (أفضّل كنيسة على طائفة) تطوف حول نفسها في دائرة خانقة قاتلة تنتهي بالزوال. نريد أن نطوف في كلّ لبنان وفي خارج لبنان، عشّاقَ حرّيّة نتنشّقها ولا نعرف حدودًا أيًّا كان نوع هذه الحدود. كنيستنا كنيسة منفتحة مشرعة فيها يلتقي الجميع وفيها يتعاون الجميع وفيها يتصالح الجميع. وفي الكنيسة متّسع للجميع.
وللعلمانيّين، وخصوصًا الشبابَ، متّسع ورسالة ودور. الطائفة، الكنيسة، ليست نفوذ الإكليروس أو سلطتهم بل مشاركة في المسؤوليّة وفي التخطيط والعمل. العلمانيّون في الكنيسة ليسوا فئة بإزاء الإكليروس بل جزء من الكنيسة مع الإكليروس، يعملون ويتعاونون معًا باحترام ومحبّة متبادلين، من دون استغلال ولا استقواء. هكذا تكون العائلة الروحيّة بنّاءة يتنافس أبناؤها ويتسابقون إلى خدمة الوطن. على العلمانيّين أن يتحمّلوا هذه المسؤوليّة في البناء وأن لا يرموها على غيرهم. نحن ننهض بجميع أبنائنا من دون استثناء، فلا يتنصّل أحد من المسؤوليّة ولا يحتكر أحد المسؤوليّة: لا انكفاء ولا إقصاء.
من هذه القناعة، بل من هذه العقيدة، نرى إلى ما يجري اليوم في لبنان وفي المنطقة من اضطرابات من شأنها أن تزرع الخوف واليأس في النفوس وتُفضي خصوصًا إلى هجرة الشباب، من ناحية، وإلى انفصال المسؤولين عن حياة الناس اليوميّة المعيشيّة بنوع خاصّ، من ناحية أخرى. إنّ قيام السلطة هو أساس قيام الأوطان. لذلك على المعنيّين جميعًا أن يسرعوا في انتخاب رئيس الجمهوريّة. إنّ الانتظام السياسيّ العامّ، المستند خصوصًا إلى المبادئ التأسيسيّة ووثيقة الوفاق الوطنيّ، يجلب الراحة والطمأنينة للناس جميعًا ويشكّل أساس الاستقرار والازدهار الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
في العام 2024 تحتفل كنيستنا بالمئة الثالثة لانطلاقتها (1724-2024) وقد بدأنا بالتحضيرات لهذا الاحتفال. نأمل أن يكون لنا هذا اليوبيل محطّة مثمرة لبناء الحاضر والمستقبل، معتصمين بالرجاء الذي لا يُخزي كما يقول بولس، لأنّ رجاءنا هو يسوع المسيح نفسه. نرافق هذه التحضيرات، كما نرافق هذا الاجتماع، بالصلاة من أجل أن ينير الروح القدس قلوبنا وأذهاننا فنتجدّد ونعمل لصالح كنيستنا وخيرها ونجاح مسيرتها في الأيّام والأجيال القادمة، لنتجدّد من أجل الوطن.
أهنّئكم، أشجّعكم، أشكركم على دعوتي إلى هذا اللقاء الذي أرجو أن تجنوا منه الثمار التي تتوخَّونها، وأستودعكم ما أوصانا به الرسول بولس بقوله: “سالموا جميع الناس إن أمكن وما استطعتم إلى ذلك سبيلاً”كونوا في سلام، وإله المحبّة والسلام يكون معكم.