عالوعد يا كمّون”، هكذا هي حال اللبنانيين مع الكهرباء طوال السنوات الماضية. الوعود بدأت بأمين التيار ٢٤/٢٤، الأمر الذي بقي بمثابة الحلم المستحيل، وصولاً الى ما آلت اليه الأوضاع في العام الماضي مع صفر ساعات تغذية في معظم أيام السنة، وفي أحسن الأحوال تأمين ساعة أو ساعتين خلال النهار.
اعتبر الخبير في قطاع الكهرباء المهندس محمد بصبوص أن “ما يحصل في ملف الكهرباء هو تكرار للوعود الوهمية نفسها من دون أن تكون مبنية على أي مستند علمي أو اصلاحات، انما وعود للاستهلاك الشعبي لا أكثر ولا أقل. فهذه الوعود الممجوجة كان يجب أن تقترن بخارطة طريق كي تبصر النور، اضافة الى البدء بتطبيق البنود الاصلاحية التي ذكرها البنك الدولي أكثر من مرة في تقاريره. فخارطة الطريق لاصلاح قطاع الكهرباء هي الممر الالزامي كي ينعم المواطن بالحد الأدنى من ساعات الكهرباء بكلفة منطقية وموضوعية”.
وأشار بصبوص، في حديث لموقع mtv، الى أن “كل ما قيل هذه السنة هو تكرار لما قيل في السنوات السابقة، والتبرير الدائم للاخفاق بهذه الوعود كان بأن السبب الأساسي له هو موضوع دعم التعرفة، هذه التسمية المشوّهة والمزورة، لأن تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان كانت مثبتة منذ التسعينات ولكن لم تكن مدعومة”.
وعن الأسباب التي أدت الى هذه المرحلة، رأى أن “وزارة الطاقة سلبت مؤسسة كهرباء لبنان كل صلاحياتها والحد الأدنى من الاستقلالية المالية والمعنوية، وحوّلتها الى دائرة من ادارات الوزارة. ولو قامت بالاصلاحات المطلوبة لما كان هناك قطاع مولدات خاصة في البلد”، مضيفاً “الوعود ومن ثم الاخفاقات بدأت من العام ٢٠٠٨، وتتكرر كل فترة مع اختلاف في الشكل فقط وعنوان الخطة”.
وذكّر بصبوص بأنه “في العام ٢٠١٩ أطلقت الوزيرة ندى البستاني خطة اصلاح قطاع الطاقة، واعترفت فيها للمرة الأولى بشكل رسمي بأن الهدر التقني وغير التقني بلغ حوالى ٣٤ في المئة، علماً ان البنك الدولي بكل تقاريره قال بأن مجموع الهدرَين لا يقل عن ٤٠ في المئة. لكنها كانت خطوة ايجابية لناحية تشخيص المرض بشكل صحيح للتمكن من معالجته”، سائلاً “هذه الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء ماذا نُفذ منها؟ للأسف ما نُفذ منها هو صفر. فبعدما وعدت البستاني بخفض الهدر التقني وغير التقني كل سنة وصولا الى بلوغه ١١ في المئة خلال فترة ٥ سنوات، ارتفع هذا الهدر من ٤٠ الى ٥٥ في المئة العام الماضي”.
ومما شهده قطاع الكهرباء في العام ٢٠٢٢ كان رفع التعرفة، مع العلم أن البنك الدولي اشترط في تقرير له في العام ٢٠١٨ بأنه لا يجوز رفع تعرفة الكهرباء قبل خفض الهدر التقني وغير التقني الى أدنى حدوده، وهذا أمر بديهي. فزيادة الواردات في ظل هذا الواقع من خلال ضخ أموال او رفع التعرفة سيؤدي الى رفع الهدر، كما يعتبر بصبوص.
مع الاشارة الى أنه رفعت التعرفة قبل رفع التغذية بساعات الكهرباء كما كان الوعد للبنانيين. الأمر الذي لم يُطبق لتقرّ التعرفة الجديدة بشكل منفصل وبطريقة معقدة بشكل كبير.
وأما السؤال الأهم الذي رافق اللبنانيين هذا العام فكان “أين الغاز من مصر والطاقة من الأردن؟”، ويجيب بصبوص بأن البنك الدولي بكل بساطة لن يموّل استجرار الغاز من دون القيام بالاصلاحات المطلوبة، وان كان يؤخذ الموضوع الى السياسة لتحريف الحقيقة.
وبعدما طال انتظارها، عادت الهيئة الناظمة للقطاع الى الواجهة، لكنها جاءت هذه المرة مشوّهة، ويقول بصبوص “وليد فياض وتحت ضغط الجهات المانحة لا سيما البنك الدولي، عدّل قانون تشكيل الهيئة الناظمة من خلال تحديد صلاحيات أعضائها بشكل مناقض للقانون ٤٦٢، كما قام بتعديل العدد من ٥ الى ٦ تماشياً مع بدعة الميثاقية الطائفية. ما يؤكد أنهم يريدون هيئة فارغة من الصلاحيات وتحويلها الى هيئة استشارية فقط”.
وبالمحصلة، هل ستبصر وعود فياض النور في ٢٠٢٣؟ يرد بصبوص: “اذا استمر العمل بهذا المسار الذي بدأ في العام ٢٠٠٨ ولا يزال حتى اليوم، لن يكون هناك أي اصلاح في قطاع الكهرباء في لبنان. فهذا القطاع أصبح هيكلاً عظمياً ولا يزالون ينهشون فيه. واذا لم تخرج وزارة الطاقة من تحت هذه الوصاية لن تكون هناك أي نتائج ايجابية ولو حتى محدودة في المدى المنظور. لا في ٢٠٢٣ ولا في ٢٠٣٠ اذا استمرينا بهذا المسار