النهار العربي- عامر شيباني
“أُعلن تعليق العمل بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها…”، بهذه الكلمات أسدل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري الستار على سنوات من العمل السياسي، فكان الإعلان بمثابة منعطف في الحياة السياسية لا لعائلة الحريري فحسب وإنما للسياسة اللبنانية المتحوّلة عموماً.
الإعلان “الزلزال” كان الحدث الأبرز في العام 2022، وأنتج غياب خط سياسي وطني ومعتدل عن الساحة السياسية. فالحريري الإبن دخل في العام 2005 إلى المعترك السياسي بعد اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري حاملاً شعلة تيار كبير لم يدرك أن لهبها سيتسبب بخسارته لثروته الشخصية وبعض الصداقات والتحالفات الوطنية وبعض الرفاق، وحتى الأخوة.
النفوذ الإيراني
واتخذ سعد الحريري هذه الخطوة لقناعته بأنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل “النفوذ الإيراني والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
“زلزال” تعليق العمل السياسي تزامن مع أزمة سياسية واقتصادية ومالية حادة تضرب البلد منذ عام 2019، وهزّت أركان الدولة ودفعت الغالبية العظمى من المواطنين إلى براثن الفقر.
ورأس الحريري ثلاث حكومات منذ العام 2009. وقدّم استقالة حكومته الثالثة بعد نحو أسبوعين من بدء التحركات الشعبية المناهضة للطبقة السياسية في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019. ولم يتمكن رغم تسميته مجدداً في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 لتأليف الحكومة، بسبب خلافات سياسية حادة شلت البلاد.
الحريري لم يكتف بالانسحاب وحده من العمل السياسي بل شمل بقراره “تيار المستقبل” الذي بات أيضاً خارج المشهد السياسي، وإن يكن لا يزال ناشطاً اجتماعياً وتنموياً.
“المستقبل” ملتزم بالقرار
الأمين العام لـ”تيار المستقبل” أحمد الحريري أوضح لـ”النهار العربي” أن “التيار بكل منسقياته وقطاعاته وهيئاته التنظيمية ملتزم بقرار الرئيس الحريري تعليق العمل السياسي، ومستمر بتسيير أعماله التنظيمية والخدماتية والاجتماعية تحت سقف هذا القرار، في كل المناطق، بالتنسيق مع المؤسسات الشقيقة للتيار”.
ولفت إلى أن “الرئيس الحريري عندما أعلن قراره تعليق العمل السياسي بالمعنى التقليدي للمسؤولية المباشرة في السلطة أو في النيابة أو الوزارة، أكد في المقابل أن بيوتنا وقلوبنا ستبقى مفتوحة لكل الإرادات الطيبة من كل لبنان، وهذا ما نحرص عليه، من خلال الاستمرار بالتواصل الطبيعي مع جمهورنا والأوفياء لخطنا في كل المناطق، والقيام بزيارات مناطقية تركز على العمل التنظيمي والاجتماعي والإنساني، وتنأى بنفسها عن أي بعد سياسي، في ظل التزامنا بقرار الرئيس الحريري، والابتعاد عن الخوض في أي سجالات أو شؤون سياسية”.
تشتت الطائفة السنية
تعليق العمل السياسي لتيار كبير كان له أثر على المشهد السياسي، وزاد تحول البرلمان “موزاييك” بلا غالبية واضحة الوضع تعقيداً.
فمع “اعتزال” “المستقبل” تشتتت أصوات الطائفة السنية الأمر الذي بدأ يؤثر على الاستحقاقات الرئاسية، وهو ما ظهر جلياً في محاولات انتخاب رئيس للبلاد. ودفع هذا الوضع بمفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان الى دعوة نواب الطائفة إلى اجتماع للاتفاق على بنود عريضة في الاستحقاقات المقبلة.
كتلة “المستقبل”
وفي انتخابات العام 2005 بعد اغتيال الحريري الأب، حصد تيار “المستقبل” عدداً كبيراً من النواب كما كان لقوى “14 آذار” (“المستقبل” و”القوات” و”الكتائب” و”الاشتراكي”) حصة كبيرة من المجلس. وتابع “المستقبل” نجاحه وحصل على 35 نائباً من أصل 128 في العام 2009 أي ما يفوق ربع المجلس النيابي. وفي العام 2018، أُجريت الانتخابات وفقاً للقانون النسبي، ما قلص حجم “كتلة المستقبل” إلى 21 نائباً.
الرقم الصعب
وعلى رغم الاعتزال، الواضح أن الحريري لا يزال الرقم الصعب. فعند كل استحقاق في البلد أو “مأزق” هناك من يدعوه إلى العودة عن تعليق عمله السياسي.
إلا أن الحريري الغائب عن المشهد و”الحاضر” في قلوب المستقبليين يمتنع عن الادلاء بأي كلام، مكتفياً بأنه ملتزم بتعليق عمله السياسي، أما توقيت العودة فمرتبط به شخصياً وهو يقرر متى ولماذا.
لكنّ مناصري “المستقبل” دائماً يطالبون الحريري بالتراجع عن قراره، وخصوصاً أنهم يخشون مرحلة الفراغ، لما يمثله شخصه من “ضمانة” لهم ولغياب أي بديل عنه يمثل الطائفة السنية.