يعرف عن الرئيس نبيه بري أنه كان ولا يزال الوحيد القادر على استنباط الحلول أمام كل المآزق التي عصفت بالبلد على الأقل من الناحية التشريعية، فأطلق عليه وصف “يسحب الأرنب من كمه” بمعنى أنه كان يحتفظ دائماً بالحل للحظة الأخيرة، فهل يمكن استعارة هذا الوصف وإطلاقه على رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي يبدو أنه سعى جاهداً خلال الأسابيع القليلة الماضية الى تضييق مساحات الخلاف بين القوى السياسية حول الشخصية التوافقية القادرة على الوصول إلى بعبدا لوضع حجر الأساس لعملية الخروج من نفق الأزمات المعيشية، الاقتصادية، المالية، السياسية التي ورثها اللبنانيون من “العهد القوي”؟
لافتة كانت حركة جنبلاط الذي كان استبق معظم القوى السياسية في الدعوة إلى الحوار لانتاج رئيس للجمهورية ودعم بذلك موقف حليفه الرئيس بري، فكانت دعوته للقاء وفد من “حزب الله” قبل خمسة أشهر في كليمنصو في ما اعتبرها الصائدون في المياه العكرة في حينه “قفزة” من مركب القوى السيادية، لكنها لم تكن سوى محاولة متجددة من جنبلاط لربط النزاع مع “الحزب” ووضع الخلافات جانباً والعبور إلى طريق الحوار الداخلي الضروري والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية المتجذرة. ومن ثم أتى لقاؤه برئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في منزل الشيخ بيار الضاهر على الرغم من الخلافات العميقة بين الرجلين للبحث في المسألة نفسها: الخروج من الأزمة والوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
وعلى الرغم من أن ما رشح عن ذلك اللقاء لم يبشر اللبنانيين بإمكان التوافق على العبور إلى مرحلة التلاقي بين الخصوم، إلا أن محاولات جنبلاط لم تتوقف بل تكثّقت في الأسبوعين الماضيين بحيث بدت لافتة حركته باتجاه بري وحركة موفديه إلى معراب والمملكة العربية السعودية واستقبالاته في كليمنصو التي شملت رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل ثم وفد “حزب الله” مجدداً وللمرة الثانية.
وأتبع جنبلاط لقاءاته بمواقف لافتة عبر حديث تلفزيوني كشف من خلاله مضمون ما يمكن تسميته “مبادرة” رئاسية تهدف إلى تضييق مساحة الخلافات بين مختلف القوى السياسة للوصول إلى التوافق على اسم يشكل تقاطعاً مقبولاً بين جميع هذه القوى بغية انتخابه رئيساً عتيداً للجمهورية، فكانت تسميته لثلاثة مرشحين وعدم توقفه عندها بل انفتاحه على البحث في أسماء أخرى بمثابة نقطة الانطلاق نحو التوافق الذي هو الحل الوحيد بعدما تبيّن غياب أي اهتمام خارجي كان البعض يعوّل عليه لحل الأزمة الرئاسية.
ولفت جنبلاط في حديث تلفزيوني الى أن “الجميع في ظل الجمود الحاصل ينتظر الحلّ السحري وكأننا كلبنانيين لا نستطيع أن نحدث ثغرة في هذا الحائط المغلق. حاولت، وللمرة الثانية أن أطلب مقابلة وفد من حزب الله، في الصيف ومنذ أسبوع، وتحدثنا عن أهمية أن نلتقي كلبنانيين لانتخاب رئيس، لأن الرئيس يمثل وحدة الوطن ويفتح ثغرة في الأفق الاقتصادي والسياسي، ومن خلال انتخاب الرئيس يمكن البدء بورشة الاصلاح”.
وكان جنبلاط شدّد في موقف سابق على أن “البلد يغرق، وبعض القوى السياسية لا تنتخب رئيساً للجمهورية مع تشكيك البعض الآخر في شرعية انعقاد جلسات مجلس الوزراء”، معتبراً أن “ما يحصل هو ضروب من اللامعقول”.
وعن لقائه مع وفد الحزب، أوضح جنبلاط أنه استعرض معه الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية وهي النائب السابق صلاح حنين والوزير السابق جهاد أزعور وقائد الجيش العماد جوزيف عون، مضيفاً: “وإذا كان هناك أسماء أخرى فليس لدي أي مانع”.
وتقول مصادر اشتراكية إن جنبلاط يعتبر أنه في غياب أي اهتمام دولي حقيقي بلبنان “فمن الأفضل بل الأجدى أن يصار إلى إيجاد توافق داخلي وهذا التوافق لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال الحوار وهذا ما يقوم به رئيس الحزب”.
وأشارت المصادر في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “الأسماء التي طرحها جنبلاط ليست الوحيدة التي يمكن البحث فيها بل هناك مروحة إضافية من الأسماء التي لا مانع لديه من أن يبحث فيها والوصول إلى توافق حولها، لكن الأهم هو الخروج من نفق الرفض والرفض المقابل، فنحن طرحنا ميشال معوض واعتبره البعض مرشح تحدٍ، في حين أن البعض الآخر طرح سليمان فرنجية والبعض يعتبره مرشح تحدٍ، فلنحاول الخروج من هذه المعادلة وطرح أسماء أخرى”.
وفي حديثه التلفزيوني كان جنبلاط قد أوضح رداً على سؤال حول من يعارض خيار قائد الجيش “أستاذ جبران باسيل يعارض قائد الجيش وسليمان فرنجية، والذي رشّح قائد الجيش هو سمير جعجع، لكن نحن نضع مروحة أسماء ولا نقف عند اسم واحد”. وأكد أنه “كان هناك لقاء واحد مع باسيل، وليس لدي أي مانع للقاء معه مرة ثانية، إنما التقيته في لقاء واحد في بيت الشيخ بيار الضاهر في أدما، منذ ثلاثة أسابيع”، مضيفاً: “حتى لا نبقى في الصفوف المعادية والمتخاصمة، من الأفضل اللقاء مع الشخص”.
وعن زيارة النائب وائل أبو فاعور الى السعودية، قال جنبلاط: “يقال إن هناك وفداً سعودياً أميركياً قطرياً وربما مصرياً سيذهب عند الفرنسيين، لذلك أرسلت أبو فاعور للبحث في مروحة أسماء، ومن هذه الأسماء جوزيف عون، جهاد أزعور وصلاح حنين، وإذا كان هناك اسم آخر فليس لدي مانع”.
وكان النائب مروان حمادة زار بكركي والتقى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي وأوضح بعد اللقاء أن وفداً من “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط سيزور بكركي في الأسبوع الحالي لاستكمال ما يقوم به رئيس الحزب “الاشتراكي” من محاولة لفتح كوة في جدار أزمة الانتخابات الرئاسية.
وحول هذه الزيارة، أكّدت المصادر الاشتراكية أن النائب جنبلاط سيرأس وفداً من “اللقاء الديموقراطي” لزيارة البطريرك الراعي والبحث في الأزمة الرئاسية، وسيؤكد لسيد الصرح ضرورة أن يكون هناك حوار داخلي وأن يصار إلى البحث في أسماء تلقى قبول معظم الفرقاء السياسيين وتوافقهم.
هل سينجح جنبلاط في مبادرته بإخراج “أرنب” الرئاسة ويكون مجدّداً “بيضة القبان” السياسية اللقب الذي كان يطلق عليه في معظم مسيرته السياسية والبرلمانية؟ الأيام المقبلة كفيلة بالاجابة .