في مواقفه التهويلية التصعيدية في ذكرى “القادة الشهداء” ، حاول امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذهاب بعيدا جدا عبر ملفي استخراج اسرائيل الغاز من حقل كاريش وتصديره، فيما لبنان لم يضرب ضربة في مياهه حتى الساعة، وتهديده العواصم الكبرى وواشنطن عبر حليفتها تل ابيب، ان قررت تجويع اللبنانيين بأن الفوضى ستعم المنطقة كلّها.
تهديد نصرالله باللجوء الى لغة الحديد والنار لاشعال المنطقة برمتها، ناتج حكما عن استشعاره مدى سلبية الذبذبات ازاء طروحاته ومشاريعه التي تصطدم بعقبات داخلية، يجسدها اصطفاف معظم القوى السياسية ضده بما فيها حليف الامس، المكسورة الجرة نهائيا معه، التيار الوطني الحر، وخارجية في ضوء مأزومية راعيته الاقليمية ايران واشتداد الخناق عليها من كل حدب اوروبي وصوب اميركي وعربي واغراقها بالعقوبات، علّ سيناريوهات الامس التخويفية تقلق هؤلاء فيعيدون حساباتهم، باعتبار ان الامن اللبناني خط احمر. وتتخذ مواقف نصرالله هذه بعدا اضافيا جراء تزامنها مع التصعيد في الشارع اللبناني ضد المصارف من جماعة “كبسة زر” في ضغط مزدوج يرفع منسوب القلق من انتشار الفوضى وتفلت الوضع الامني من عقاله.
واذا كانت الاجراءات الامنية والعسكرية تحول حتى اليوم دون الانفجار، فالضمانات بعدم حصوله غير كافية، على رغم استنفار الاجهزة العسكرية والامنية لمواجهة اي حراك مشبوه، خصوصا اذا صدر امر العمليات الايراني باستخدام ورقة لبنان امنيا في مجال الضغط على الغرب لتخفيف العقوبات عن طهران واستدراجه للعودة الى مفاوضات فيينا النووية المجمّدة. غير ان مصادر سياسية مطّلعة على حيثيات الوضع الداخلي وتفاصيله تؤكد لـ”المركزية” ان ثمة حدا فاصلا بين ما كان صالحا قبل 27 تشرين الاول 2022 ولم يعد كذلك بعده، وتقول ان اعادة عقارب الساعة الى الوراء لم يعد متاحا لأي طرف، والمرحلة التي تلت لحظة توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، برعاية اميركية، تفرض نفسها على كل من تعهد والتزم ووقع ، اذ ليس سهلا على اي من هؤلاء التفلت مما التزم به، وان حاول سيجد نفسه مكبّلا في عمق ورطةيستحيل الخروج منها. ذلك ان استخدام السلاح واطلاق الصواريخ في اتجاه اسرائيل اضحى من المحرمات، وشن الحروب العبثية من الماضي، باعتبار ان الاتفاق يلزمه بالتقيد بالحفاظ على الامن ليس في الجنوب اللبناني ونقطة التنقيب فحسب، بل في مجمل المنطقة النفطية الغازيةالممتدة من مصر الى اليونان والموضوعة تحت مجهر الامن الدولي منعا لاي انتكاسة امنية.
وتستدرك المصادر بالقول ان حزب الله يبدو وُعد من خلال اتفاق الترسيم بثمن ما، فسهّل مساره، الا ان الامور لم تذهب في الاتجاه الذي منّ به النفس، وتحديدا في ما يتصل بتلزيم “جماعته” ما يرتد عليهم وعلى بيئته بالنفع المادي بما يريحها ويخفف وتيرة النقمة عليه جراء الازمة التي تعصف بالبلاد وتنال منها بيئته هذه حصة الاسد، فعمد الى رفع سقف خطابه واطلاق عبارات التهديد لواشنطن وربيبتها اسرائيل، لتذكيرها بالمتوجب عليها، لاسيما بعدما سجلت خروقات عدة في عمق مناطقه وحالات تململ تنذر بالاسوأ.من هنا، كان تصويبه على واشنطن وتحميلها مسؤولية فوضى الداخل، فيما هو مدرك ان لا سبب يدفعها الى ذلك، وهو ما صوّب عليه حليفه جبران باسيل في آخر انتقاداته لخطاب نصرالله.