أثبتت بي بي سي أن ما لا يقل عن 650 تلميذة تعرضن للتسمم في إيران، إذ اعترف مسؤول حكومي كبير أخيرا أن مئات الفتيات “استهدفن عمدا”.
وعلى الرغم من أنه لم تقضي أي فتاة نحبها جراء التسمم، إلا أن العشرات قد نقلن إلى المستشفى بسبب مشاكل في التنفس وغثيان ودوار وإرهاق.
البيان الرسمي الوحيد حتى الآن هو أن المدعي العام فتح تحقيقا جنائيا في حوادث التسمم، كما أشير إلى أن تلك الحوادث قد تكون “متعمدة”.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بدأت تلميذات بالحديث عن أنهن يشعرن بوجود رائحة تشبه رائحة الحمضيات أو السمك الفاسد قبل أن يسقطن فريسة للمرض.
وأضاف الدكتور بناهي أن “المواد الكيماوية المستخدمة ليست عسكرية بل إنها متاحة للجمهور”، كما أضاف “لا تحتاج التلميذات إلى أي علاج قوي ومن الضروري الحفاظ على الهدوء وضبط النفس”.
وقال الطبيب في وقت لاحق إن تصريحه “أسيء تفسيره”، في إشارة إلى انقسامات داخل السلطة حول كيفية التعامل مع الجماهير الغاضبة بسبب عدم الكشف عن الجاني علانية.
وقد كانت مدينة قم ذات المكانة الدينية البارزة، بؤرة عمليات التسميم الجماعي، لكن التسميم وقع أيضا في ما يصل إلى ثماني مدن في جميع أنحاء إيران.
ويبدو أن غضب الجماهير آخذ في التصاعد والازدياد.
حدث التسميم الأول في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المنصرم، إذ نقلت على إثره 18 طالبة من مدرسة نور الفنية في مدينة قم إلى المستشفى، بعد ظهور علامات التسمم عليهن.
ومنذ ذلك الحين، تم استهداف أكثر من 10 مدارس للبنات في المحافظة.
وفي منتصف فبراير/ شباط، تظاهر ما لا يقل عن 100 شخص أمام مكتب المحافظ في قم.
وصاح أحد الآباء في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي: “أنت ملزم بضمان سلامة أطفالي! لدي ابنتان.. وكل ما يمكنني فعله هو عدم السماح لهما بالذهاب إلى المدرسة”.
كما ظهرت في مقطع فيديو آخر امرأة من نفس الحشد المتظاهر تقول: “هذه حرب! إنهم يفعلون ذلك في مدرسة ثانوية للبنات في قم لإجبارنا على الجلوس في المنزل.. يريدون أن تبقى الفتيات في المنزل!”.
ويقول بعض الأهالي إن بناتهن بقين مريضات لأسابيع بعد التسمم.
ويظهر مقطع فيديو آخر من داخل مستشفى، فتاة مراهقة مستلقية على سرير في حالة مزرية ووالدتها تجلس بجانبها.
“الأمهات العزيزات، أنا أم وطفلتي ممددة على سرير في المستشفى وأطرافها ضعيفة واهنة”، تقول الأم المنهكة.
وتتابع: “أقرصها لكنها لا تشعر بأي شيء.. من فضلكن لا ترسلن بناتكن إلى المدرسة”.
موقع ديني بالغ الأهمية
تركزت الهجمات في مدينة قم، التي تعد موطن الزعماء الدينيين من الطائفة الشيعية، التي تمثل العمود الفقري للجمهورية الإسلامية.
لكن سلطتهم تواجه تحديا كبيرا منذ وفاة الشابة الكردية، مهسا أميني، في مركز للشرطة بعد احتجازها بحجة عدم ارتدائها الحجاب “بشكل مناسب ” في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقد أثار الأمر تساؤلات لدى بعض الإيرانيين عما إذا كان تسميم الفتيات نوعا من “الثأر” بسبب الدور الذي لعبنه في الاحتجاجات العارمة المناهضة للحكومة التي تلت مقتل مهسا أميني.
وفي الواقع كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد غصت بصور تلميذات يخلعن حجابهن بعد مقتل أميني.
وتكهن الكثيرون أيضا بأن حوادث التسميم تلك هي من صنيعة المتشددين الذين يريدون “تقليد واستنساخ” ما تقوم به حركة طالبان في أفغانستان، والجماعة الإسلامية المتشددة بوكو حرام في نيجيريا، من ترويع للأهالي للتوقف عن إرسال بناتهم إلى المدرسة.
“هل أتت بوكو حرام إلى إيران؟” كان هذا تساؤلا لنائب الرئيس الإيراني السابق، محمد علي أبطحي، في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام.
كما حذر السياسي الإصلاحي من أن “المتطرفين سيترجمون قواعد وأعراف الحكومة والدين بما يتماشى مع مصالحهم”.
ولطالما رفض النظام الإيراني تقليديا الانتقادات التي توجه له بسبب القيود التي يفرضها على النساء مثل الحجاب الإلزامي، وفي المقابل، يتباهى بعدد النساء اللائي يلتحقن بالجامعة.
لكن إذا لم تنه الفتيات الصغيرات مرحلة المدرسة، فإن الجامعة ستكون بطبيعة الحال مجرد حلم.
كما أن حديث إحدى الطالبات، في الاجتماع مع محافظ قم، عن تعرضها للتسمم مرتين، يسلط الضوء على مدى الغموض والتضليل الذي اتسمت به بعض تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
وقد قالت في ذلك الاجتماع: “أخبرنا المسؤولون أن كل شيء على ما يرام، وأن التحقيق في الموضوع جار على قدم وساق.. ولكن عندما سأل والدي في مدرستي، قيل له: للأسف لقد توقفت كاميرات المراقبة عن العمل لمدة أسبوع ولا يمكننا التحقيق في هذا الأمر”.
وأضافت: “عندما تعرضت للتسمم للمرة الثانية على التوالي قال مدير المدرسة لباقي الطالبات: إنها تعاني من مرض في القلب، ولهذا السبب تم نقلها إلى المستشفى، لكنني في الواقع لا أعاني من أي مرض في القلب!”.