Nouvelles Locales

جعجع رأس حربة وبري للمواجهة.. رئاسة لبنان من ضمن مشهد إقليمي متقلِّب!

جاء في اللواء:

غداة انتهاء الانتخابات النيابية في أيار الماضي 2022، وإعادة تشكل مجلس نيابي جديد، بدأت تتوضح صورة جديدة للمشهد الداخلي اللبناني، رأت فيه القوى المسيحية الحزبية، ولا سيما صقور المعارضة ضد حزب الله، والفريق الاقليمي المنخرط في انشطته، في اطار معروف ومكشوف ولا سيما بعد العام 2011 عندما دخل الحزب في المواجهة العسكرية المسلحة او الحرب في سوريا فرصة لإعادة رسم خطوط المواجهة.
من أبرز النتائج المباشرة لهذه الانتخابات، خروج تيار المستقبل من المعادلة النيابية كلاعب مباشر عبر كتلة ذات تأثير كما حصل في الدورات الانتخابية السابقة، فضلاً عن خسارة قوى 8 آذار ما كان يعرف بالأكثرية المرجحة لحسم الخلافات في المجلس النيابي، إذ خرج من المجلس لأول مرة النائب طلال ارسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي، والنائب ايلي الفرزلي، وانحسرت القوة الشيعية في الثنائي (أمل – حزب الله) بـ27 نائباً شيعياً (مناصفة 13 + 13) اضافة الى النائب المرشح على لوائح حزب الله، لكنه يزعم استقلاليته جميل السيد.
هنا، قرأ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في المشهد قدرة لفريق ما تشكل لاحقاً باسم المعارضة، على الذهاب باتجاه اكثر استطاعة لمنع فريق 8 آذار من الجموح اكثر الى ادارة اللعبة في الداخل.
قال جعجع حينها (وكالة أ.ف.ب) أن حزب الله خسر الاغلبية النيابية، وأن حزبه (أي القوات) يعتزم العمل على أن نعيد القرار الاستراتيجي كله الى الدولة اللبنانية، ولا يعود لأحد الحق أن يتخطى سقف الدولة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وأن يكون القرار الأمني والعسكري بيد الجيش اللبناني، وليس بوسع أحد أن «يقدم على حرب 12 تموز جديدة، وأن ينقل صواريخه من مكان الى آخر، إلا بموافقة ومعرفة الجيش اللبناني».
وقال جعجع وقتها «لم يعد هناك من سلاح في الداخل، بل هناك عملية سياسية، تجلت بالانتخابات، وليس مسموحاً لأحد ان يستخدم سلاحه في الداخل».
ولا حاجة الى التذكير بما قاله جعجع أيضاً، بأن ترجمة المسار الجديد تبدأ بانتخاب رئيس للبرلمان يساعد على اتمام المهمة ويحافظ على الكيان والدولة، ولا يمكن انتخاب رئيس البرلمان نبيه بري على الاطلاق لأنه جزء من الفريق الآخر.
على الجملة، ماذا يتضح، وماذا تحقق؟
يتضح ان انتخابات 2022 جرت تحت شعار إبعاد حزب الله عن مركز «القرار الاستراتيجي» (والتعبير لجعجع نفسه) وأن البعد الاقليمي – الدولي كان هو الطاغي على مسار هذه الانتخابات، من القرار بإجرائها، الى بناء التحالفات، ثم إعلان النتائج، وبالتالي فإن المشهد اللبناني منذ ذاك الحين، وهو يتأثر بالمطالب والرغبات المماثلة لحركة المشهد العام في الاقليم.
ويتضح انه منذ اللحظة الاولى، برز جعجع، كواحد من متعهدي الجو الاقليمي – الدولي، أو الحصان الاكثر شهرة على الثبات في المواجهة.
أما ماذا تحقق، فبري، حليف حزب الله، وواحد من أبرز رجال التركيبة المتهمة بأنها «طبقة سياسية» مع جملة المواصفات المعروفة، عاد الى رئاسة المجلس، وهذا فشل اول موصوف للمعارضة، من زاوية الميثاقية الوطنية، إذ لا مرشح شيعياً بوجهه، فرئيس المجلس «بالعرف الميثاقي» ينتخب من النواب الشيعة.
كانت العين على الرئاسة الاولى، ما دامت لعبة الرئاسة الثالثة، تخضع لحسابات من نوع مختلف، قضى ان يبقى الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يمون على عدد من النواب، خارج البرلمان، مع الاحتفاظ برئاسة مجلس الوزراء، التي حلت مع الحكومة مجتمعة مكان رئيس الدولة، في حال خلت الرئاسة الاولى لأي علة كانت.
مع ترشيح النائب الماروني، الشمالي ميشال معوض للرئاسة عن فريق ما عُرف بالمعارضة، بدت «القوات اللبنانية» رأس حربة في هذا الترشيح، ليس للوصول الى بعبدا، ضمن سلة الشعارات المعروفة، بل من اجل مواجهة مرشح حزب الله… سواء أكان النائب السابق سليمان فرنجية أم سواه من المرشحين.
ظهر للكتل المسيحية، وفي صلبها، القوات اللبنانية، ان ساعة «الثأر» من رئاسات متمادية للجمهورية على الطريقة الممانعة حانت. فسعت الى الترشيح ودعمه، والوقوف على مدى 12 جلسة الى جانبه، في مبارزة مع «الورقة البيضاء»، إذ كشف الرئيس بري، في «مقابلة رد على مقابلة» أن الورقة هذه تعني سليمان فرنجية، حيث تغلّبت عليه في فرز الاصوات في غالبية المرات.
قرر بري الرد على كل ما يستهدف «هيبته الرئاسية» أو دوره، واتفق مع حزب الله، على ترك المبارزة، سواء في الكلام او التكتيك النيابي له مباشرة.
وعندما ذهب النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا عون الى المجلس ليعتصما هناك، ريثما تعقد جلسة الانتخاب، استناداً الى مطالعات دستورية، لامست المطالعات او المقاربات التي يستند اليها رئيس المجلس وفريقه، قدَّم هذان النائبان هدية ثمينة لبري، الذي سارع الى تحديد جلسة للجان المشتركة في موعد الجلسات التشريعية، وليعلن لاحقاً ان لا موعد لجلسة، لا تتوافر فيها كل مقومات انتخاب الرئيس.
في ضرب من التحدي او عدم الفطنة، وفَّر جعجع الفرصة مجدداً «للثنائي الشيعي» والنواب الـ60 الذين يدورون في فلكه، فأعلن بوضوح عزمه على تعطيل جلسة تأتي بفرنجية رئيساً بأكثرية 65 نائباً… فلم يعد التعطيل مقتصراً على فريق «الورقة البيضاء» التي اعلن صراحة عن هويتها، بل إن الكتل، التي اوكل اليها الدستور انتخاب رئيس الجمهورية، لها وكالة اخرى، ليست دستورية، تقضي بتعطيل الجلسات، كإجراء ديمقراطي.
مع اضطراب المفاهيم والادوار والوظائف، يطغى المشهد الاقليمي، على نحو عاصف على انتخابات الرئاسة الاولى، بعد مؤتمر باريس الخماسي او مندرجات قمة الرياض للتعاون والتنمية التي اعلنت «الوقوف مع الشعب اللبناني، ودعمها المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوات المسلحة في حماية حدوده ومقاومة تهديدات المجموعات المتطرفة».
في المشهد هذا لا قيمة لعنتريات الداخل، فالعبرة للمسار الاقليمي، توافقاً أو تصادماً، ومنه نقطة الانطلاق!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى