Uncategorized

تدخل أممي وتحذير دولي لمعرقلي تحقيقات تفجير مرفأ بيروت

طوني بولس- إندبندنت

في وقت يتعرض التحقيق المحلي بقضية تفجير مرفأ بيروت لشتى أنواع العرقلة والتعطيل، أعطى بيان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أملاً بإمكانية التوصل للحقيقة وملاحقة المرتكبين ولو كان ذلك من خارج الحدود اللبنانية، بعد أن استطاع المتضررون من كشف الحقيقة محاصرة “العدالة” بكل ما أوتوا من قوة عبر استخدام وسائل غير مشروعة بلغت بهم حد تهديد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.

وفي التفاصيل، وقعت 38 دولة على بيان مشترك في الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان، أعربت فيه “عن قلقها إزاء تأخر لبنان في التحقيق بانفجار بيروت”، بحسب البيان الصادر عن منظمة العفو الدولية، وحثت السلطات اللبنانية على “التقيد بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان من خلال اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الاستقلال والنزاهة الكاملين للقضاء اللبناني في القانون والممارسة”.

وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية آية مجذوب تعقيباً على البيان الذي ألقته أستراليا أمام مجلس حقوق الإنسان، إن “البيان المشترك الصادر عن مجموعة من الدول في مجلس حقوق الإنسان يؤكد التزام العالم بضمان العدالة في انفجار مرفأ بيروت المدمر”.

ثلاثة أشهر

ووفق مصدر دبلوماسي غربي، فإن البيان يشكل إنذاراً دولياً للسلطات اللبنانية وحثها على إعادة التحقيق إلى مساره الصحيح وإعادة انتظام مسار العدالة في لبنان، ومنع القوى المهيمنة من التأثير على عمل القضاة كما حصل طيلة المرحلة الماضية، باعتبار أن التحقيق متوقف بسبب عرقلة “ممنهجة” وتدخل وترهيب بحق القضاة.

وكشف عن أنه “أمام السلطات اللبنانية مهلة ثلاثة أشهر لإثبات جديتها بالعمل على كشف ملابسات تلك الجريمة التي حصلت في الرابع من أغسطس (آب) 2020″، إذ من المتوقع أن يجتمع مجلس حقوق الإنسان مجدداً في يونيو (حزيران) المقبل، حيث قد يتم تقييم الجهد الذي تبذله الدولة اللبنانية في التحقيقات. وأكد أن الدول الـ38 التي وقعت على البيان تتابع عن كثب قضية التحقيقات، “لا سيما أن من بين الضحايا مواطنين لتلك الدول لن يقبلوا بتسويف العدالة”، مشدداً على أن الاجتماع المقبل قد يتم تحويل البيان فيه إلى توصية ترفع للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تحثه فيها على تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، لافتاً إلى أنه بإمكان غوتيريش تحويل التوصية لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار في هذا الشأن.

أول حكم خارج لبنان

ويأتي البيان الدولي عقب صدور حكم قضائي بريطاني لصالح الضحايا الذين يمثلهم مكتب الادعاء ضد الشركة الإنجليزية “SAVARO Ltd”. ويؤكد المحاميان نصري دياب وكميل أبو سليمان، المكلفان هذا الملف، “الأهمية الأساسية لهذا الحكم كونه أول قرار قضائي يسمي أحد المسؤولين عن الفاجعة، وهذه التسمية تشكل أول واقعة ثابتة قضائياً، مما يفتح الباب واسعاً على ملاحقة المسؤولين الآخرين، بخاصة أن المحاكمة أدت إلى الكشف عن مستندات ووقائع قد تفيد ملف انفجار المرفأ، مما يمهد لإجراءات أخرى في الخارج وفي لبنان”.

وتشير الواقعتان إلى اهتمام وخرق كبيرين في الموقف الدولي، وذلك نتيجة جهد أهالي الضحايا وعدد من الأحزاب والقوى المحلية السياسية والمدنية التي تنشط منذ مدة لمواجهة العرقلة السياسية الحاصلة، وتدل على أن الخارج بات مهتماً أكثر بكشف الحقيقة.

جريمة ضد الإنسانية

وفي السياق، شكرت المحامية سيسيل روكز (شقيقة أحد ضحايا تفجير المرفأ)، مجلس حقوق الإنسان الذي أعطى الأمل باستعادة العدالة المفقودة في لبنان، ونوهت بجهود أهالي الضحايا والعمل المضنى الذي يبذلونه سواء على المستوى اللبناني، أو على المستوى الدولي للوصول إلى العدالة ومحاسبة المجرمين. وقالت إن “ما حصل في الرابع من أغسطس كان زلزالاً فعله أشخاص، وهو جريمة يتسبب فيها مسؤولون يجب أن ينالوا عقابهم بعد تحديد مسؤولية كل شخص منهم”. وأكدت أنهم “لن ينسوا الشهداء الأحياء والمعاقين والمصابين، والضرر الأكبر هو الذي يعيشه القضاء اللبناني بسبب الانقسام الحاصل بين قضاة شرفاء وآخرين مرتهنين لسفارات وجهات سياسية”. وقالت إن أحداً لن يكون قادراً على تعطيل التحقيق وطمس الحقيقة والعدالة، وطالبت النواب بالعمل لتعديل مواد قانونية استعملت تعسفاً لتعطيل التحقيق “نحن بحاجة إلى كل نائب لكي يكون مع الحقيقة والعدالة في جريمة المرفأ لأن السلطة السياسية تريد أن تمحو جريمة العصر”.

ومنعاً للالتباس حول مفهوم عمل لجنة تقصي الحقائق والكلفة المطلوبة من الدولة اللبنانية في حال التصويت عليها، لفتت روكز إلى أن “الكلفة المادية تقع على عاتق مجلس حقوق الإنسان ويتولى التحقيق بالتوازي مع القضاء المحلي وهذا ما يبعد عنه صفة المقاربة مع المحكمة الدولية”. وشددت على أن طرح ملف جريمة تفجير المرفأ على مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لا يعني مطلقاً الاستغناء عن التحقيق القضائي الداخلي أو اعتباره انتهى “منذ وقوع الجريمة طالبنا بلجنة تقصي حقائق وليس لجنة تحقيق دولية باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وتفاعلت اليوم بسبب العرقلة الكبيرة وتعطيل عمل القضاء”.

مسار فوري

بدوره، أوضح النائب في البرلمان اللبناني جورج عقيص أن البيان الدولي هو أمر تأسيسي في مسار التحقيق، بدل طبيعة المعركة وسجل هدفاً مباشراً في مرمى معرقلي التحقيق كونه صادراً عن مرجعية دولية لديها تأثير كبير. ورأى أن على الحكومة اللبنانية مواكبة والإفراج عن التحقيق الذي سمحت بعرقلته على مدى سنتين ونصف السنة، كاشفاً عن خريطة طريق يجب أن تبدأ باجتماع الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وقبل اجتماع الهيئة العامة، “يجب إصدار مرسوم بتشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز الذي ينبع من وزارة المالية، وفي حال امتنع وزير المالية عن الإفراج عن المرسوم، فهو يتحمل مسؤولية سياسية وقانونية وجزائية، وبإمكان رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود أن يفرض على هذه الهيئة العامة، بصفته الرئيس الأول للهيئة العامة لمحكمة التمييز، أن تجتمع بأعضائها الأصليين والمنتدبين، وبعد تشكيل هذه الهيئة، يجب أن تبت كل طلبات المخاصمة المقدمة بوجه القاضي طارق البيطار، وعندها إما أن تقبل بها محكمة التمييز وتقوم بتعيين قاض غيره، أو الرد، وعندها يتابع عمله في التحقيقات”.

وتابع عقيص أن على مدعي عام التمييز أن يعيد العمل بقراره الذاتي بالتنحي لكي يتسلم قاض آخر، من المحامين العامين لدى النيابة العامة لمحكمة التمييز، هذا الملف بالاسم، ويقوم بإعداد المطالعة المطلوبة لإصدار القرار الاتهامي، ومن ثم يصدر المحقق العدلي القرار الاتهامي وتبدأ المحاكمة.

وتوجه النائب عقيص إلى أهالي الضحايا بالقول “هذا المسار يؤسس لبارقة أمل بتحقيقه، وسنسعى لكشف الحقيقة لأن من دمر بيروت سينال عقابه ومن قتل ذويكم وأولادكم وإخوتكم سينال جزاءه. معركتنا نحن وأنتم واحدة ولا شيء يستطيع أن يعرقل العدالة في لبنان، وجريمة انفجار المرفأ هي الخط الذي سيفصل بين مرحلة الإفلات من العقاب ومرحلة الوصول إلى العدالة والمحاسبة في لبنان”.

مؤامرة ضد “المقاومة”

في المقابل، أكد مصدر نيابي مقرب من “حزب الله” رفض الحزب قيام أي تحقيق دولي في قضية مرفأ بيروت، معتبراً أن المحقق العدلي طارق البيطار هو السبب في عرقلة التحقيق، داعياً مجلس القضاء الأعلى إلى تغييره فوراً واستبداله بقاض يبعد الملف عن التجاذبات السياسية.

واتهم حزب “القوات اللبنانية” باستدراج تحقيق دولي إلى لبنان من أجل استخدامه أداة بوجه “المقاومة” بعد أن فشلت باستخدام البيطار بتوجيه أصابع الاتهام لـ”حزب الله”، مشدداً على أن أي لجنة تحقيق دولية تأتي إلى لبنان ستواجه كونها وجهاً آخر من أوجه المحكمة الدولية التي أنشئت بهدف اتهام الحزب باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى