Uncategorized

الامن الذاتي: ظاهرةُ التّسلحِ الفردي تتفشى وسط استشراء السّوق السّوداء..

كتب جاد الحكيم في ليبانون فايلز:

بشكلٍ دراماتيكيّ، باتَ تواجد السّلاحُ في لبنان داخلَ أيّ بيتٍ من المسلّمات، لا بل من الضّرورات، وسطَ أوضاعٍ أمنيّةٍ غير مسبوقة، تتمثل بفراغٍ كبير خلّفته أجهزةُ الدولةِ، عدا عن الأوضاعِ الإقتصاديّة الكارثيّة.

 

الحقُّ يُقالُ، بأنَّ الأجهزةَ الأمنيّة اللّبنانيّة تعملُ على قدمٍ وساق لأجلِ لجمِ الفلتان الأمنيّ وإحاطته، خاصةً وأنّ البلادَ مقبلة على موسمٍ سياحيّ ينتظرهُ الإقتصاد اللّبناني بفارغِ الصّبرِ، لكن لا مفرّ من العودةِ إلى الواقعِ، إذ إنَّه بلغةِ الأرقام ارتفعت نسب السّرقات بشكلٍ غير مسبوق، لتُسجّل جرائم السّرقة، والحوادث الأمنيّة “ريكورد” عالٍ ومرتفع، خاصةً وأنّنا لا نعيشُ أبدًا حالة “حرب”.

كل ذلك دفعنا بالعودة إلى حالةِ الأمن الذاتيّ ولو ببارودة صيد، حيث باتت هذه الظّاهرة تنتشرُ مجددّا بشكلٍ واسعٍ داخل العديد من المناطق اللّبنانيّة، ما دفع باللّبنانيّ إلى تهيئةِ نفسهِ تحسُبًا لأيّ خطرٍ قد يدهمهُ وسط غياب الدولة وتعاظم انهيار الهيكل فوق الجميع.

 

من بواريد الصّيد إلى أسلحةِ الحماية

“بشكلٍ كبيرٍ انخفضَ الطّلب على بواريد الصّيد بعدما كانت هذه البواريد ومستلزماتها ضرورة للعديد من هواةِ ومحبي الصّيد.” هكذا يُوضح الياس عاصي، صاحب متاجر “عاصي هانتنغ” الذي يقول خلال حديث مع موقع “ليبانون فايلز” أنَّ الطّلب اتجهَ بشكلٍ كبير نحو “بواريد الحماية” إذ أنَّ المتاجرَ الممتدة على الأراضيّ اللّبنانيّة لا يحقُّ لها استيراد الأسلحة الحربيّة أو تلكَ التّي يُعتبر اقتناؤها مناسب لضروراتِ الحمايةِ، وهذا ما دفع بالأفراد إلى اللّجوء لشراءِ أسلحةِ “البومب أكشن” أو بنادقَ الصّيد التي يُعاد تصغيرها بطريقة فنيّة، وتتحول من بندقية مخصّصة للصيد إلى بندقية مخصّصة للحماية. ومن هنا يشير إلى أن حجم الطّلب على بواريد الصّيد انخفض بنسبةٍ تُقارب الـ80%، لترتفع مقابلَ ذلكَ نسب الطّلب على البواريد التي تُستخدم للحماية لتصل إلى ما يفوق الـ75%.

شهية الأفراد للذهاب نحو الأسلحة تُرجم من خلال ثورة شراء بدأت مع بداية الأزمة، إذ تشير الدراسات إلى أنّ حوالي مليوني قطعة سلاح حربيّ موجودة في لبنان، بين أيدي اللّبنانيين، وذلك لأجل تأمين حماية أنفسهم أولاً، إضافةً إلى تأمين حماية أموالهم، إذ تحوّلت منازل هؤلاء إلى مصارف محليّة خاصة بهم، وذلك بعد قرار المصارف عام 2020 بالحجز على الودائع، وعدم الإفراج عنها، ما دفع باللّبنانيين إلى تكديسِ ثرواتهم المتبقّية داخل منازلهم.

سوق سوداء بمواجهة الشرعية

لا يَخفي عاصي تمامًا كغيرِه من التّجار الوضع المأساويّ الذي تتعرضُ إليه متاجرَ أسلحةِ الصّيدِ في لبنان، إذّ أنّه وسطَ هذه الأزمة، حُرم هؤلاء من حقّ استيراد الأسلحة، لأنَّ لا تنظيم يَرعى هكذا أمور، وهذا ما فتحَ الباب أمامَ السّوقِ السّوداء لتأخذ مجدها، وتكون هي المحطّة الأولى التي قد ينتهجها أي شخص، أضف إلى مسلسل التّهريب إبّان بدايات الحرب السّورية، حيث استفاد تجار هذه السّوق من كميات كبيرة من الأسلحة التي تم بيعها داخل لبنان، ومن هنا يتساءل التّجار: “لماذا السّلاح غير الشّرعيّ آخذٌ بالانتشارِ، ومحلات بيعِ أسلحة الصّيد لا تستطيع أن تبيعها؟”

وسط هذا يشرحُ عاصي آلية خارجيّة مشابهة، إذ يقول في الأردن مثلا وبالرّغم من النّظام الملكيّ الذي يُعتبر صارم، يستطيع أي شخص أن يتقدم بأوراق معينة إلى متاجر أسلحة مرخّص لها، يطلب من خلالها الحصول على قطعة سلاح فردي خفيفة، ليحصل الفرد على قطعة السّلاح بعد موافقة الجهات المعنية، وهذا ما هو غير متوفّر في لبنان إذ إنَّ السّوق السّوداء هي الحاكم الأوّل والأخير، والوزارات المعنية لم تُنظمْ الأمور.

 

الأسعار نار فما هي الخيارات؟

ما بين السّوق السّوداء والمحال الشرعيّة يصلُ الفرق لأكثرِ من 3000$، فمثلاً إذا أقام أي شخصٍ اتفاقًا مع أحدِ تجّار السّوق السّوداء فإنَّ أقلّ سعرٍ رائجٍ لأصغرَ قطعةٍ قد يبدأ من 1000$، والكلام هنا عن قطعة حربيّة خفيفة، بوقت تؤكّد مصادر مطّلعة لموقع “ليبانون فايلز” على أنَّ نفس القطعة من الممكن أن يتم شراؤها بطريقةٍ شرعية بمبلغ يصل إلى 500$ فيما لو كان هذا الأمر مسموح به في لبنان، ومشرّع للمتاجر.

ومن هنا يرى تجّار السّوق السّوداء بأنَّ الفرصة متاحة أمامهم طالما أنّهم يعملون بالخفاء، على الرغم من العمل المكثّف الذي تقوم به الجهات الأمنيّة لناحية ردع أيّة مجموعة من شأنها أن تشكّل خطرًا، أو أن تقوم بتوزيع السّلاح بشكلٍ غير شرعيّ.

 

متابعون للملف يؤكّدون خلال حديث خاص مع موقعنا “ليبانون فايلز” على أنَّ الأمور في لبنان باتت تأخذُ منحى آخر، إذ أنَّ العديدَ من الأشخاصِ يقومون بشراءِ بواريد خفيفة، ويستحصلون على رخصة حمل سلاح من قبل الجهات المعنية، إلا أنَّ هؤلاء يقومون باستغلال هذه الرّخص لأجل حمل مسدساتهم التّي أصلا استحصلوا عليها بطريقةٍ غير شرعيّة، إذ يحذّر المتابعون من الخطورة الأمنية التي قد تنتج عن هكذا خطوة.

 

أعداد “المُتسلحين” ارتفعت

لا يخفي التّاجر علي فيّاض حجم الإرتفاع الكبير بعدد حاملي السّلاح، إذ أكّد أيضًا خلال حديث مع “ليبانون فايلز” على أنَّ نسبة بيع أسلحة الصّيد انخفض بشكل ملحوظ مع بداية الأزمة، إلا أنَّ الإرتفاع الذي شهدته المحال هو ببيع “بيوت للمسدسات”، ويؤكّد بدوره أنّ هذا الإرتفاع لا يُبرهن إلا شيء واحد ألا وهو الإرتفاع الكبير بحجم التّسلح، واتجاه اللّبنانيّ إلى تلسيح نفسه خوفًا من أيّة تطورات، أو لحماية نفسه، إذ يؤكّد فيّاض على أنَّ التّسلح هذا لا يعني أنّنا دخلنا حرفيًّا بمرحلة الأمن الذاتيّ.

 

تبقى الأرقام داخل لبنان غير رسميّة، إلا أن دراسات خارجية تشير إلى أنَّ لبنان يحتلُّ مراكز متقدمة عربيًّا لناحية نِسَبِ امتلاكِ الفردِ لقطعةِ سلاحٍ حربيّة داخلَ البلاد، وبهذا السّياق يقول موقع “مراقبة الأسلحة الصغيرة” السويسري الناشط في مجال رصد ومكافحة انتشار الاسلحة الفردية على مستوى العالم، توجد 31.9 قطعة سلاح فردي لكلّ 100 شخص في لبنان، ما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح 1.927 مليون قطعة لعدد سكان يُقدّر بنحو 6.769 ملايين نسمة، ما يعني أن لبنان يحتلّ الترتيب الثاني عربياً بعد اليمن، والتاسع عالمياً، في عدد قطاع السلاح الفردي، ويتفوّق حتى على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ 20 سنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى