
على وقع الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المسجد الأقصى وعلى عموم الشعب الفلسطيني، وفي ظل الجنون الذي تنتهجه حكومة بنيامين نتنياهو التي توصف بأنها أكثر الحكومات يمينية وتطرفاً في إسرائيل، تبرز مواقف عربية ولبنانية متعددة رافضة لهذه الممارسات. خصوصاً أن هذه الاعتداءت ستقود إلى المزيد من التصعيد والمواجهات. إذ لا يمكن الصمت على الجرائم الإسرائيلية المستمرة وعلى التمادي الإسرائيلي.
لبنان المنصة
في هذا السياق، يؤكد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة أن “ما يجري في القدس أمر مرفوض ومدان”. ويشدد السنيورة، في حديث إلى تلفزيون “العربي” من بيروت، على أن “استمرار إسرائيل بحماية المستوطنين في عملية الاقتحام أمر مرفوض، ويجب الرد عليه من خلال مواقف عربية ودولية ضاغطة على تل أبيب”. ويلفت رئيس الحكومة الأسبق إلى أن “كل أمر يجب أن يدرس من خلال تأثيراته على الوضع اللبناني وعلى مدينة القدس”.
ويقول: “استعمال لبنان منصة لإطلاق الصواريخ وبعث الرسائل هو أمر يرفضه اللبنانيون”. ويضيف: “لبنان لا يمكنه أن يكون مكانًا للتصعيد مع إسرائيل، لأنه يتعرض لمخاطر كبيرة وسط تداعيات على الوضع الأمني الداخلي الهش”. ويوضح السنيورة أن “إسرائيل تمر بوضع صعب جدًا داخليًا، وسط انقسام حكومي بسبب وجود هذه الحكومة العنصرية، والتي باتت اليوم مهددة بالسقوط”.
وقال السنيورة: “إنَّ ما يجري في القدس وفي المسجد الأقصى بالذات من اقتحام مستمر من قبل المستوطنين الإسرائيليين، وبحماية صارخة من الشرطة الإسرائيلية أمر مرفوض ومُدان، وينبغي أن يصار إلى الردّ عليه من خلال مواقف عربية قوية وجامعة. وكذلك من خلال اتصالات مكثّفة على المستوى الدولي ومجلس الأمن الدولي، والتي من خلالها يمكن الضغط على إسرائيل. وباعتقادي أنها هي الطريقة والأسلوب الصحيح الذي يمكن أن يعتد به الآن من أجل الردّ على هذه الانتهاكات، لردع إسرائيل عن استمرارها في ارتكاباتها وأعمالها العنصرية. أما بما خصّ الرد على إسرائيل، وذلك من خلال الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان، فهذا أمر آخر ولا أظن انه من المفيد القيام به الآن”.
الكلفة والمخاطر
ويضيف، في الحقيقة، إنَّ كل أمر أو موقف يمكن أن يتخذ من أجل الردّ على إسرائيل بهدف ردعها يجب درسه لمعرفة كلفته ومخاطره من جهة أولى، وكذلك مردوده السياسي والعملي من جهة ثانية، ولا سيما لجهة تحديد تأثيراته وانعكاساته على الوضع اللبناني، ومن ثم أيضاً لمعرفة تأثيراته على وضع مدينة القدس والمسجد الأقصى. فعلى صعيد لبنان، فإني أعتقد أن استعمال لبنان كمنصة لإطلاق الصواريخ ولبعث الرسائل إلى إسرائيل، أو الإيحاء بخطوة توحيد الجبهات ضد إسرائيل، وذلك في أمر لم يستشر به لبنان ولا الحكومة اللبنانية ولا يوافق عليه اللبنانيون الذين تعرضوا لردود فعل إسرائيلية مماثلة كثيرة في الماضي، والتي كان آخرها ما جرى في لبنان وللبنان في العام 2006. حيث ذاق اللبنانيون في حينها الأمرّين بنتيجة الاجتياح الإسرائيلي الذي حصل آنذاك. ولذلك، فإني أعتقد أنّ لبنان لا يستطيع أن يكون من جديد مكاناً لإرسال هذه الرسائل ولا أن يكون منصةً لعملية التصعيد هذه من خلال إطلاق هذه الصواريخ الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الصواريخ التي إما جرى التصدي لها أو انها سقطت في أرض خواء داخل الأرض المحتلة.
وأضاف السنيورة: “بالنسبة لنا في لبنان، فإننا لا نستطيع أن نجازف ونسمح بأن يصار إلى استعمال لبنان كمنصة لإطلاق الصواريخ معولين على ردّ محدود من قبل إسرائيل. كما أنّ علينا من جهة ثانية أن ننظر إلى وقع وتأثيرات ذلك على الداخل اللبناني لانّ هناك معارضة شديدة لدى اللبنانيين ضد إقحام لبنان بهذه المخاطر غير المحسوبة. وبالتالي ينبغي علينا ان ننظر إلى الأمور من الزاوية الحقيقية، وحسب ما يمليه علينا الوضع الداخلي اللبناني، وما قد يحمله انفلات الأمور على الأوضاع الأمنية في لبنان. لهذا، فإني أعتقد أنّ لذلك كلّه مخاطره الكبيرة. على الصعيد الثاني، وبما يتعلّق بالقضية الفلسطينية وقضية القدس، فإنّ الأمر يقتضي بجميع المعنيين لدى الجانبين اللبناني والفلسطيني أن ينظر إلى الأمور بكثير من الجديّة والتبصّر، ومن زاوية انعكاسات ذلك كلّه على المسألة الفلسطينية”.
واعتبر السنيورة أنه يجب على الجميع أن يُدرك أنّ إسرائيل تُعاني حالياً من انقسام داخلي خطير لم يسبق لها أن تعرضت له من قبل، وذلك بسبب طبيعة وأداء ومشاريع هذه الحكومة العنصرية الإسرائيلية، وبسبب مجموعة الوزراء المتطرفين الذين أصبحوا في عداد هذه الحكومة الإسرائيلية المعرضة للسقوط في أي وقت بسبب أن الاكثرية التي حصلت عليها عند تأليفها هي أكثرية هزيلة وقليلة. وبالتالي، هي معرّضة للسقوط الفعلي هي ورئيسها نتنياهو، وذلك حتى لا تكون نتيجة المواقف غير المتبصرة دعماً غير مباشر للحكومة الإسرائيلية ولرئيسها.
السعودية-إيران
وحول الحوار السعودي الإيراني، الجاري بهدف التوافق، قال السنيورة: “إن ردّ الفعل الأول ضد هذه المبادرة كانت من إسرائيل التي لم تكن راضية عنه. وهذه المبادرة السعودية الإيرانية اعتبرها مبادرة تاريخية إذا نجحت. وإذا صدقت النوايا فإنها قد تسهم بتغير جميع المعادلات في المنطقة، وذلك إذا نجحت. وهي إن نجحت، فإنّها يمكن ان تضع حداً نهائياً لهذه الحروب المتناسلة والرهيبة التي تحملت المنطقة نتائجها الكارثية منذ العام 1979 وإلى الآن، وذلك بسبب احتدام الصراع الإيراني العربي وفي كل الجبهات الإيرانية والعراقية والسورية واليمنية واللبنانية وغيرها وغيرها. ليس من أقل حوالى عشرة ملايين قتيل وعشرات الملايين من الجرحى والمعاقين وتريليونات الدولارات من الخسائر والفرص الضائعة على المواطنين العرب والإيرانيين. لذلك إذا نجحت هذه المبادرة فهي فرصة كبيرة جداً للطرفين الإيراني والعربي.
واعتبر أن ردّ الفعل السلبي الأول ضد هذا الاتفاق كانت من إسرائيل، وكذلك أيضاً من الذين لا يحبون ان يتخلوا عن سلاحهم أو عن مصالحهم في لبنان كذلك، وفي دول أخرى هم أيضاً ليسوا راضين. على كل حال، أنا أقول إنَّ استعمال لبنان ساحة لإطلاق الصواريخ لا يمكن ان ننظر إليه باستخفاف وان نعوّل على أمل أن يكون رد فعل إسرائيل محدوداً، بل يجب ان يكون هناك تبصّر كبير في مآلات مثل هذا التصرف المستخف باستقلال لبنان وسيادته.