انتهت القمة العربية دون أن تنته تداعيات مقرراتها بعد، رغم اعتبار الكثيرين انها اهملت لبنان، وبينت تراجع مكانته عند أهل القرار العربي، الا انها عمليا شكلت دفعا غير مباشر لجهود انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب جدا، وهو بالنسبة للبعض قد عزز حظوظ مرشح محور الممانعة رئيس «تيار المردة سليمان فرنجية»، نظرا الى الحفاوة التي استقبل بها الرئيس السوري، والذي عد انتصارا.
أصحاب هذه النظرية يدعمون موقفهم بسلسلة من النقاط ابرزها:حسم مصير التحرك القطري الذي تلقى ضربة قاضية، فانسحاب الدوحة من القمة جاء في الشكل اعتراضا على المشاركة السورية، إنما عمليا نتيجة القلوب المليانة بين المملكة والإمارة بسبب المشاغبة القطرية في الملف الرئاسي اللبناني، ومحاولة افشال المبادرة الفرنسية، رغم ان الموفد القطري الذي كان موجودا في جدة، سيعود ثانية الى بيروت، دون ان يعرف سقف تحركه هذه المرة وحدوده.
امر سينتج منه تعزيز التحرك السعودي في بيروت، من خلال جولة اتصالات سيقوم بها السفير السعودي على مجموعة من القيادات السياسية، بمباركة اميركية واضحة، ساهمت فيها السفيرة دوروثي شاي التي اجتمعت الى عدد من الاسماء المطروحة بعيدا عن الاعلام.
-وفقا للمعلومات الديبلوماسية، فان قمة جدة بكل ما شهدته من لقاءات بما فيها اجتماع ولي العهد السعودي بالرئيس السوري، لم تتناول الوضع اللبناني لا من قريب أو بعيد، وهو ما ظهر في غياب ذكر لبنان في كلمات الزعماء من جهة، واقتصار الفقرة المتعلقة بلبنان في المقررات على ترداد ما سبق واتفق عليه خماسي باريس، مهملة كل ما ورد في الورقة اللبنانية المقدمة، والتي حاول الجانب اللبناني ان يشرعن الجزء الخاص بالمقاومة، لتسهيل ولادة البيان الوزاري المقبل، وهو ما لم يحصل بتوجه سعودي واضح.
-أسقطت مجريات نقاشات الغرف المغلقة التي سبقت اجتماع القادة، طرح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي القاضي بتشكيل لجنة عربية لمساعدة اللبنانيين على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، المتروك عربيا حله للرياض، بعدما وافقت طهران بموجب بكين على الانسحاب السياسي من بيروت، مقابل تقدم اقتصادي.
عليه، ترى مصادر ديبلوماسية في بيروت ان الاخراج الرئاسي بات قاب قوسين او ادنى من ان يجهز، بعدما حلت عقدة «التيار الوطني الحر» ونواب «التغيير»، وبات بالامكان الذهاب الى الجلسة العامة باكثر من مرشح، ويبقى خيار الورقة البيضاء احدها، ذلك ان جميع الاطراف السياسية قد سلمت بالحل الدولي.
ورأت المصادر ان كل ما قيل عن القمة العربية بعيد كل البعد عن الحقيقة، فهي لم تغير شيئا في الواقع العربي الا شكلا، بل على العكس فان القراءة المتأنية لبيانها الختامي، تبين ان ما كتب مشروع تفجير للمنطقة اكثر مما هو تغييري في السياسة الاقليمية، اذا تم اخذ مسألة الاتفاقات الموقعة بين سوريا والسعودية وبين طهران والرياض، والتي للمناسبة حتى الساعة ما زالت في طور النتائج الشكلية
وختمت المصادر بانه مخطئ من يعتقد ان الفترة المقبلة ستبين حقائق وواقع الامور، ذلك ان ما انجز هو بداية التغيير في رحلة اعادة التوازن الى السلطة، والتي كانت محطتها الاولى «ثورة 17 تشرين»، جازمة بان كل ما يحكى عن عودة لدولة من هنا وامساك بالقرار لدولة من هناك هو محض خيال، فالتسويات الكبيرة ما زالت بعيدة، وما يعمل عليه راهنا هو «تجميد» الوضع اللبناني في فترة السماح المعطاة والتي تنتهي مع نهاية العام، تاريخ وضع الاتفاقات الاقليمية المنجزة في ثلاجة الانتخابات الاميركية المقبلة، التي سترسم وجه واشنطن ودورها في العالم.