في انتظار اللحظة التي يمكن ان يتوصل فيها المعارضون ومعهم من يشارك في المواجهة المفتوحة مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ليس هناك من مرشح رئاسي قد ضَمَن السباق إلى قصر بعبدا، مهما تعدّدت السيناريوهات المتداولة. فالمعادلة الثابتة التي حظيت بإجماع داخلي وخارجي قالت، انّ الساعة صفر لانطلاق الشوط الأخير منه لم تُحدّد بعد. وعليه، ما هي الخيارات المتاحة للوصول إلى تلك اللحظة الحاسمة؟
منذ أن انطلقت المساعي الداخلية والخارجية سعياً إلى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، لم يظهر لأكثر المراقبين اطلاعاً، انّ المهمّة سهلة وانّ الطريق معبّدة امام الساعين ألى تقصير مهلة خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، التي اقتربت من إقفال شهرها السابع. وانّ حجم العقبات التي حالت دون بعض المبادرات، قد شكّلت الدليل الساطع على صعوبة هذه المهمّة لأسباب داخلية وخارجية، لا يمكن التقليل من أهمية اي منها مهما تعدّدت النظريات التي قالت بإمكانية انتصار أي خيار على آخر، على خلفية انتصار هذا المحور أو ذاك. فالتوازنات الداخلية تحول دون التوصل إلى النتيجة الايجابية.وأياً كانت القراءات التي أُجريت للفصل في ما إن كان القرار النهائي والحاسم الذي ينهي السباق في الاستحقاق الرئاسي سيكون من الداخل اللبناني او من خارجه، فإنّ أياً منها لم ينتهِ إلى نتيجة حاسمة. فالإنقسام الداخلي شكّل صورة مشابهة لما هنالك من خيارات خارجية مختلفة، سواء على مستوى القوى الخمس التي التقت على دعم لبنان من بوابة «اللقاء الخماسي» الذي انعقد في 6 شباط الماضي في باريس. وإن تعددت الأسباب التي فرزت الداخل والخارج على حدّ سواء من دون ان تكون متشابكة، فليس مضموناً انّ هناك في لبنان من يترجم الخلافات الخارجية بطريقة تضمن له تنفيذ ما يريده، بدليل الفشل الذي انتهت اليه المبادرة الفرنسية التي تجرأت على اتخاذ مواقف حادّة من هذا الفريق او ذاك. وإن لم تنتهِ المحاولات التي قادها السفير السعودي وليد البخاري بعد إلى النتيجة التي أرادها حتى اليوم، فإنّ الحراك القطري الذي قاده وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد عبد العزيز الخليفي لم ينتهِ ايضاً إلى مبتغاه.
وإلى حين التثبت مما يمكن ان تنتهي الجهود المبذولة وفق الخيارين الخليجيين، فإنّ هناك من يصرّ على إعطائهما المهلة الكافية للتثبت من قدرة اي منهما على إحداث اي خرق، وهو أمر منطقي جداً. ذلك انّ ما أفرزته المؤشرات الاخيرة، يشير إلى دخول المبادرة الفرنسية مرحلة «الكوما»، وأنّه لا بدّ من إعطاء الرياض والدوحة المساحة المطلوبة، لعلّها تكون الخطوة البديلة التي تؤدي إلى النتيجة عينها. وما يدفع في هذا الإتجاه تترجمه «الطحشة» التي تقودها المعارضة بالتنسيق مع قيادة «التيار الوطني الحر»، للتوصل إلى تسمية مرشح المواجهة مع فرنجية بأي ثمن. وهو ما يُعتبر تنفيذاً للمبادرة السعودية التي قادها البخاري أخيراً، وقالت بتأمين مرشح «جدّي» و«مؤهّل» لمثل هذه المبارزة، متى حدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري موعداً لتلك الجلسة، التي ربط مصير الدعوة اليها بتسمية المرشح الثاني لإتمام العملية الانتخابية المطلوبة، والتي تضمن نصاباً قانونياً يتجاوز البحث عن النصف زائد واحداً، لبلوغ مرحلة ضمان وجود الثلثين من أعضاء المجلس في تلك الجلسة المنتظرة.وإلى واجب المتابعة التي تستحقها المبادرة السعودية، فإنّه لا يمكن لأي من المراقبين ان يتجاهل المسعى القطري ايضاً، فهو في شكله ومضمونه يوفّر الدعم للمبادرة السعودية إن حققت المبتغى منها في المرحلة الاولى منها، وخصوصاً إن توصلت إلى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. لأنّه وفي حال عدم التوصل إلى هذه النتيجة حصراً، والتي تختصر كل المبادرات الداخلية والخارجية، سيكون الإنتقال إلى ما بعدها بما يقارب «الخطة البديلة» التي تحدثت عنها المبادرة القطرية، وقالت حسبما تسرّب من جولة الموفد القطري، بترشيح قائد الجيش وربما آخر من لائحة «الحياديين» وغير «المستفزين».
ويضيف هؤلاء المراقبون: لا يمكن الوصول إلى المسار القطري إلّا في حالة واحدة تنشأ لمجرد ان تكون قد سُدّت كل السبل إلى انتخاب الرئيس من الأسماء واللوائح التي تمّ التداول بها حتى تلك اللحظة، بمعزل عن الظروف التي ادّت اليها. وعندها سيكون على الجميع الاستسلام لأي خطوة تقود الى الإجماع المفقود، من اجل تجاوز تلك المخالفة الدستورية التي ستُرتكب في حينه، وقطع الطريق على أي محاولة للطعن أمام المجلس الدستوري في مهلة حُدّدت بالساعات الـ 24 التي تلي إنجاز العملية الانتخابية، ومنع توافر ثلث اعضاء المجلس النيابي زائد واحداً يُقدمون على هذه الخطوة.
عند هذه الخيارات المطروحة حتى اليوم، تتوقف كل القراءات الخاصة بالاستحقاق الرئاسي، وهي خيارات متأرجحة بين ما يمكن ان يتحقق منها او يصعب تحقيقه. فالحسم بإمكان تحقيق اي منها ما زال في مربّع التكهنات الغامضة، إلى ان تظهر المؤشرات الدالّة إلى اي منها. وفي حال العكس، فإنّ حال المراوحة هذه ستبقى السائدة إلى أمد غير منظور، وقد يكون قريباً، إن تحقّقت التوقعات التي رُوّج لها في الساعات القليلة الماضية عن قرب توحيد مواقف المعارضة و»التيار الوطني الحر»، لينتقل في خطوة نهائية تُنهي وضعه في المنطقة الرمادية التي جعلته في مواجهة ترشيح فرنجية إلى الضفة الاخرى التي تلبّي شروط المبادرة السعودية.
وعليه، يضيف المراقبون، انّ مثل هذا الحدث لا يقف عند تلبية المبادرة السعودية فحسب، لا بل فهي تلبّي شروط رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سيكون مضطراً- بموجب تعهداته السابقة أمام الداخل والخارج – إلى توجيه الدعوة إلى الحلقة الثانية عشرة من مسلسل جلسات انتخاب الرئيس، في ظروف يمكن ان تؤدي إلى عقد دورات اضافية تلي الجلسة الاولى بكامل النصاب الدستوري المطلوب، إن لم تشكّل الجلسة الاولى مفاجأة تفضي الى انتخاب فرنجية. وهي نظرية تستند إلى سابقة محققة إن استُنسخت التجربة التي جاءت ببري ونائبه الياس بوصعب إلى موقعيهما الحالي بـ 65 صوتاً او العكس، الذي قد يكون ممكناً إن صحّت التوقعات بأنّ اي توافق جديد بين المعارضة و«التيار الوطني الحر» قد يؤدي إلى نيل مرشحهم ما بين 66 و68 صوتاً.
عند هذه المعطيات ينتهي المراقبون إلى خلاصة شبه نهائية، تدعو الى التريث لأيام قليلة قد تؤدي تطوراتها إلى تبيان الخيط الأبيض من الاسود، وهو امر لا بدّ من إعطائه الوقت الكافي. وإلى حين بروز اي تطور او معطى حاسم، يمكن القول بكل بساطة أن ليس هناك حتى اللحظة من مرشح رئاسي بارز، وإن كانت الأولوية لفرنجية في ما هو ثابت حتى اليوم، فإنّ عدم وصوله الى مرحلة النصف زائد واحداً تعيده إلى لائحة بأسماء متعددة، إن لم تكن «فارغة»، في انتظار اي مفاجأة تؤدي إلى انتخاب «مستر ايكس» إلى قصر بعبدا، ما لم تنتج المبادرات الجارية رئيساً من إثنين: فرنجية او من سيُسمّى لينافسه.