Art

مهرجان «كان» السينمائي..ثلاثة عرب يفوزون بجوائز «نظرة ما»

 

أقام مهرجان «كان» السينمائي، مساء السبت، وإلى وقت متأخر من الليل، حفل توزيع جوائز تمحورت حول أفلام استرعت أعلى تقدير ممكن من لجنة التحكيم بقيادة المخرج السويدي روبن أوستلوند؛ وتضم ثمانية أعضاء من بينهم المخرجة وكاتبة السيناريو المغربية مريم توزاني؛ والمخرج الأفغاني عتيق رحماني والمخرج الزمباوي رونغانو نيوني. والباقون؛ كتاب ومخرجون وممثلون غربيون، من بينهم بول دانو وبري لارسون ودوني مينوشيه وداميان شيفرون، علماً أنه من غير المتاح بالطبع معرفة كيف ستتلاقى الثقافات والآراء بين أكثرية غربية وقلّة أفريقية وآسيوية.

 

ليس المقصود أنّ صراعاً محتدماً سيقع. عادة ما تُذلّل العقبات والمناقشات بطريقة ديمقراطية، فيصغي الجميع للجميع. يوافقون أو يعترضون والكلمة الفصل للتصويت. لكن هذا لا يمنع أنه في مرات عدة، اختلف أعضاء لجان التحكيم وظهر الخلاف على وجوههم لدى اعتلاء المنصّة. حدث ذلك، على سبيل المثال، في دورة 2018 عندما نال فيلم كوري – إيدا هيروكازو «السعفة الذهبية» عن «نشالو المحلات» (Shoplifters).

 

كما تردّد لاحقاً، فإنّ بعض لجان التحكيم في تلك الدورة فضّلوا فيلم «حرب باردة» للبولندي بافل بافليكوفسكي؛ وتمسّك البعض، إلى حين، بفيلم «الرماد هو الأبيض الأكثر نصاعة» (Ash is Purest White) للصيني جانكي جيا.

 

هذه كانت أقاويل ما بعد توزيع جوائز تلك السنة، لكن فوز الفيلم الياباني «نشالو المحلات» كان في نهاية المطاف صائباً.

 

*

رحلة سياحية

 

كوري – إيدا هيروكازو موجود هنا في الدورة الحالية، وحظوظه لا تبدو هذه المرة قوية. قبل التطرّق إلى هذا الموضوع، نتوقف عند جوائز المهرجان وتحديداً جوائز ثاني أهم المسابقات، مسابقة «نظرة ما».

 

هذه الجائزة أعلنت السبت، وجاءت على النحو الآتي: الجائزة الأولى (المسمّاة «جائزة سارتا ريغار») لفيلم بريطاني- يوناني لمولي مانينغ ووكر. يسرد حكاية ثلاث فتيات بريطانيات يصلن إلى اليونان بحثاً عن اللهو والمتعة. هو الفيلم الأول لمخرجته. يبدأ كما لو أنه بمثابة تسجيل مصوّر لرحلة سياحية، لكن بعد قليل من بدايته، تتراءى سماته بكل ما حملته من خفّة وسهولة تصوير حالات ثلاث صديقات يرغبن في الترفيه العابر على ساحل بلدة ماليا. شيء يقع، كما يتحسّس المُشاهد، يودي بكل ذلك المرح البادي، ويوفر بديلاً له لم يكن في حسبان البطلات.

 

الجائزة الثانية في التعداد كانت باسم «جائزة صوت جديد»، مُنحت للمخرج الأفريقي بيلوجي (يكتفى باسم واحد) عن فيلمه «فأل» (حكاية أربعة سحرة يهاجرون خوفاً من القتل على أيدي أبناء البلدة).

 

من بين الجوائز الست، نال ثلاثة مخرجين عرب ثلاث جوائز بما يشبه مطراً منعشاً لحضور السينما العربية في دورة هذا العام. جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى أسماء المدير عن فيلمها التسجيلي «كذب أبيَض» وهو اسم تسويقي (The Mother of All Lies). وجائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى فيلم كمال الأزرق «كلاب»، الذي فيه من جهد الكتابة والتنفيذ ما يتجاوز فيلم أسماء المدير.

 

«جائزة الحرية» نالها المخرج محمد قردوفاني عن فيلمه «وداعاً جوليا» وهو المشاركة السودانية الرسمية الأولى في تاريخ المهرجان الفرنسي. لا يبتعد الفيلم (إنتاج أمجد أبو العلا، مخرج «ستموت في العشرين» – 2018) عن أحداث اليوم، لكن من دون معالجتها. صُوِّر قبل نشوب الصراع بين المتحاربين حالياً في السودان. لكن الموازاة قائمة، لكون الأحداث التي يعرضها تقع في عام 2005 عندما عاشت الخرطوم حالات انهيار أمني آخر.

 

هذا فيلم آخر سوداني جيّد (بالإضافة إلى «ستموت في العشرين» والتسجيلي «الحديث عن الأشجار» لصهيب قاسم الباري)؛ نال تلك الجائزة ذات النبرة السياسية باستحقاق. لكن ما هو ملاحَظ أنّ أسماء الجوائز في هذه التظاهرة تحاول تفادي تداوُل مبدأ «الأفضل»، على نحو «أفضل فيلم» و«أفضل مخرج»… إلخ، مما يجعل المجموعة الفائزة شبه متساوية في التقدير.

 

* حكاية مختلفة في الموضوع عينه

 

التوقعات التي سادت المهرجان قبل إعلان جوائزه، استندت إلى تخمينات مرتبطة بالتقدير الذي أبدته مجلات فرنسية وبريطانية وأميركية تُصدر أعداداً خاصّة في «كان»، إلى مدى الترحاب الذي حظي به فيلم ما أو إذا ما مرّ فيلم آخر مثل سحابة صغيرة في يوم صيفي.

 

شملت المسابقة 21 فيلماً تنافست على «السعفة الذهبية» أساساً، ثم على ما قد تجود به قريحة لجنة التحكيم من جوائز أخرى مثل جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة لجنة التحكيم (غير الخاصة) أو جائزة أفضل مخرج.

 

فيلم كوري – إيدا هيروكازو، «مونستر»، لا يبدو أنه الذي سيُتوّج هذا العام. يحتوي على كل بصماته المعتادة باستثناء أنه ليس مدهماً كما حال أفلام سابقة له. حكاية ثلاثية الإلقاء (الأحداث من ثلاث وجهات نظر) تفقد حسنات أسلوبها المتبع والمأمول.

 

شيء مشابه يقع في فيلم مخرج آخر اعتاد عرض أفلامه في «كان»، هو كريم عينوز (من أب جزائري وأم برازيلية). فقد حاول، في فيلمه المتسابق «فايربراند»، تحويل حكاية آخر زوجات الملك هنري الثالث عشر إلى دراما تحمل (على غرار فيلم الافتتاح «جان دو بوري» حول آخر عشيقات الملك الفرنسي لويس الخامس عشر) مأساة البطلة (تؤدّيها أليسيا فيكاندر بجدارة)، لكن رغم جودة التنفيذ، لم يتجلَّ في السيناريو أكثر بكثير من الوصف والسرد القصصي.

 

هذان الفيلمان من بين ما استبعد النقاد حصولهما على أي من الجوائز المطروحة.

 

أوفر حظاً كما تراءى للعدد الأكبر من الحاضرين، هو فيلم جوناثان غلايزر «منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest). إنه حكاية مختلفة عن الهولوكوست من مخرج يعود إلى العمل بعد عشر سنوات من العزلة، منذ تقديمه فيلمه السابق «تحت الجلد» الذي جمع بين اللغز والرعب ونال رواجاً نقدياً لا بأس به.

 

الفيلم الجديد نقلة باتجاه أفلام الهولوكوست التي قد يزيد عددها منذ الحرب العالمية الثانية على ألف فيلم تناولتها تسجيلياً ودرامياً ومن زوايا مختلفة. على ذلك، وجد غلايزر زاوية جديدة تتمثل في حكاية ضابط ألماني (كريستيان فريدل) وزوجته (ساندرا هولر) وأولادهما الخمسة الذين يعيشون في منزل فوق أرض خضراء جميلة ونهر يمرّ ليس بعيداً عن بيت العائلة.

 

ليس بعيداً كذلك، سجن أقامه النازيون لزجّ اليهود فيه. تُسمع أصوات طلقات البنادق بين حين وآخر، أو صراخ الضحايا من دون أن يؤدّي ذلك إلى زعزعة استقرار تلك الأسرة. هذا التناقض بين حياة هانئة، وعلى بُعد يسير، أخرى معذَّبة؛ يتّضح من المَشاهد الأولى ويستمر. غلايزر يستثمر المفارقة إلى الحد الأقصى، بهدف القول إنّ أمثال الضابط وعائلته موجودون حتى اليوم في حياة الإنسان (الغربي كما يتّضح)، تعبيراً عن الرغبة في الصمت المطبق حيال التاريخ وجلاديه.

 

من المحتمل جداً أن يخرج الفيلم أو مخرجه بجائزة ما (ممنوع، حسب قوانين المهرجان، منح أكثر من جائزة واحدة للفيلم، لذلك لا يمكن فوز الفيلم ومخرجه معاً). فيه ما يكفي من أسلوب عرض وموضوع.

 

المُنافس الأول لهذا الفيلم هو «تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall) للفرنسية جوستين تريست التي تتناول قضية روائية (ساندرا هولر) متهمة بقتل زوجها بدفعه من نافذة في الطابق الثالث. ابنهما شبه أعمى، لكنه يستطيع الإفادة بما قد يوضح اللغز حول إذا ما كانت والدته دفعت زوجها فعلاً أو أنّ الزوج سقط عَرَضاً.

 

بعد بداية موحية بفيلم مُتقن، ينحدر إلى مستوى عادي من التحقيق ويسود من منتصفه فصاعداً شعور بأن الفيلم قال الكثير، ولم يبقَ سوى الانخراط في واقع المحكمة التي تنظر في القضية. بكلمات أخرى، ما يتم سرده في ساعتين ونصف ساعة، كان يمكن سرده في ساعة ونصف ساعة، لولا أنّ المخرجة رغبت في سرد أحداثها على بساط عريض.

 

* براعة أسلوبية

 

الحصان الأسود في هذا السباق هو فيلم الفنلندي آكي كوريسماكي الجديد «سقوط أوراق الشجر» (Fallen Leaves) منذ «الجانب الآخر للأمل» (The Other Side of Hope) سنة 2017. هنا حكاية حب يرويها المخرج من دون عاطفة. أسلوبه في ذلك، عرض الموقف بعد عصر الأمل منه تاركاً للمُشاهد التمعّن في الأسباب.

 

 

 

بطلته امرأة تعمل في سوبر ماركت تدعى أنسا (ألما بوستي) ورجل مدمن على الكحول يدعى هولابا (جوسي فاتانن)؛ يلتقيان عرضاً ثم يتفقان على مشروع علاقة لا تسير حسب المُتوقع لها. كلاهما يصبح عاطلاً عن العمل، فهي تُطرد من عملها لأنها سمحت لنفسها بالاحتفاظ بساندويش فاتت مدة صلاحيته. وهو يطرد لاحتسائه المشروب خلال عمله في مصنع خردة.

 

يسرد المخرج الحكاية بمفرداته الاقتصادية المحددة. لا رغبة لديه للإيهام بأنه سيحقق فيلماً مبهراً بتصويره أو باستعراضاته أو حتى بتصاعد درامي حاسم. على العكس، يبقى بسيطاً وكادراته محددة. حتى الدلالات الاجتماعية تبقى في متناول العين، إنما من دون عزف منفرد لمنحها أكثر من الدلالة الفورية. هو فيلم بديع عن الوحدة في مجتمع رأس المال الذي يعيشه كل منهما على مضض، وبل بقبول ظاهري، محاولاً البحث عن خلاص من الوحدة بالانخراط في وحدة الشخص الآخر.

 

على خلفية فوز ثلاثة مخرجين عرب بجوائز تظاهرة «نظرة ما»، فإنّ حفل الختام أجاب على احتمال فوز فيلم التونسية كو

ثر بن هنية «بنات ألفة» (أو «أربع بنات») سلباً أو إيجاباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى