مما لا شك فيه أننا في مرحلة نهضة علميّة تزامنًا مع عصر التقدم العلمي والتكنولوجيا؛ حيث بات بإمكان الفرد التعلم واكتساب المهارات المتعددة وتطوير القدرات الذاتية. وقد برزت في هذا المجال مهارات مختلفة كالقدرة على تعلم اللغات وتحفيز الطاقات الذهنية والتدريب النفسي وممارسة الرياضة وغيرها من النشاطات اليومية التي تساعد على تنمية الموارد الفكرية والاجتماعية.
ولكن هذه التكنولوجيا هي بمثابة سيف ذو حدين، فرغم منافعها المتعددة الا انها تعود بالضرر على شريحة كبيرة من الأفراد خاصة حين يُساء استخدامها. وككل موضوع يُطرح لا بد من الاضاءة على الانعكاسات السلبية لاستخدام التكنولوجيا في مجتمعنا حيث نفتقد الى التوعية والتدريب والمتابعة النفسية والاجتماعية للأطفال والعائلات.
مع تمسكنا بالقيم الأخلاقية والمبادىء التي تربينا عليها نرى اولادنا بأمسّ الحاجة اليوم إلى التوعية والتثقيف والإرشاد إذ أننا نرمي أمامهم كرة نار تُسمّى وسائل التواصل الاجتماعي ونتركهم لمصيرهم يلاحقون التطور المزيّف وينجرّون وراء سراب يودي بمستقبلهم وبحياتهم إلى الظلام. بِتنا نرى العائلة مشتّتة في سباقٍ مع الوقت نحو ما يظنّونه التطور ومواكبة العصر تاركين الاطفال يسرحون ويمرحون في هواتفهم الخلوية دون حسيبٍ او رقيب. اختفت من مجتمعِنا ثقافةُ القراءة والاطلاع وتبخّرت المحادثات الثقافية والنقاشات البنّاءة، لم يعُد الأب يهتمُّ لمستقبلِ أولاده أو يواكب مراهقتَهم ولا تأبهُ الأمّ لمتابعة مراحل نموّ أطفالها وحاجتهم إلى ممارسة النشاطات الرياضية والخروج مع العائلة. اندثرت التجمّعات العائلية في جحيم الهواتف النقالة وتَفشَّت الأمراض حتى في صغارِنا، مِن آلامٍ في الظهر والرقبة إلى ضعف في النظر وعدم القدرة على التركيز وما زال الوضع يتفاقم حتى تلاشت المعرفة والثقافة من أدمغة شبابنا، فترانا نحدّثهم في مواضيع أدبيّة واجتماعية فلا يجدون جوابًا او معلومة يستهلّون بها كلامهم…وكلُّ هذا غيضٌ من فيض!
حتى واجهتنا مؤخّرًا مشاكل التيك توك فوقفنا مشدوهين أمام هذه المجازر الأخلاقية التي كنّا نراها بعيدةً كلّ البعد عن فلذات أكبادنا! ومن الطبيعي جدًّا أن ينجرّ الاطفال وراء هذا الاستعمال الخاطىء لوسائل التواصل في غياب الإرشاد والتّوعية !
لذلك نحن كأهل وتربويين وأصحاب علم وقيّمين على هذا المجتمع واجبُنا الأوّل والاخير السّهر على أطفالنا، فهم أمانةٌ في أعناقنا ونعمةُ الله في حياتنا فلنحميهم برموشِ أعيننا ولنسهر على أمانهم وامنهم، لنتحاور معهم في شتّى المواضيع الحياتية… لنراقبهم ..أجل نراقبهم إن لَزِم الأمر لأنّ مهمتنا في هذه الحياة زرع الخير والمحبة والسلام في نفوس أجيالنا الصاعدة بعيدًا عن التنمّر والسوء والشر المتناثر في عالمنا المعاصر.