أكد الرئيس فؤاد السنيورة أن الأزمة الاقتصادية في لبنان تعود الى ما حصل منذ بداية العام 2011، حين بدأ التدهور الكبير في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية والسياسية في لبنان، وهي لاتزال كذلك”.
وقال: “لبنان في حالة تدهور مستمر على مدى 12 عاما الماضية. إذ تحول النمو الاقتصادي الكبير الذي تحقق في لبنان خلال السنوات 2007- 2010 إلى نمو سلبي ابتداء من العام 2011، وكذلك تحول ميزان المدفوعات من إيجابي إلى سلبي وبشكلٍ كبير. وتحول صافي الاحتياطي لدى مصرف لبنان إلى سلبي، وعادت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى الارتفاع أيضا. وهذه بمجموعها مؤشرات تؤكد حصول هذه الانهيارات التي لم تترافق مع إدارة رشيدة من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة. وهي الإدارة التي كان ينبغي عليها أن تعمل جاهدة من أجل ترشيق الدولة اللبنانية وترشيد قراراتها والقيام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية والسياسية التي يحتاجها لبنان بشكل شديد، وحيث تعاظم الاستعصاء على الإصلاح في لبنان على مدى سنوات طويلة.
على العكس من ذلك، فقد استمر الوضع في لبنان على تجاذباته واستمر لبنان في حالة تراجع، مع تفاقم المعاناة بسبب الأزمات الوطنية والسياسية التي كان يتعرض لها لبنان ابتداء من العام 1975 مع بدء الحرب الداخلية فيه. منذ العام 1975، أصبحت جميع موازنات لبنان العامة وخزينته العامة تشكوان من عجز كبير ومستمرة حتى الآن. وهذا العجز كان يتحول بالتالي إلى دين عام متعاظم”.
اضاف: “هذه الامور مجتمعة ترافقت مع أزمات سياسية خطيرة، ولاسيما حين عارض الجنرال عون اتفاق الطائف في العام 1989. وكانت له معارضات لاحقة، ولاسيما عندما حال الجنرال عون دون أن يصار إلى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية في العام 2014، وهو أصر وبدعمٍ من حزب الله على أن يبقى لبنان على مدى سنتين ونصف سنة من دون رئيس للجمهورية، وذلك حتى العام 2016، وحين انتخب الجنرال عون رئيسا للجمهورية في العام 2016. بعدها استمر حال التردي مترافقا مع إدارة سيئة، وغير محوكمة للشأن العام إلى أن عمدت حكومة دولة الرئيس حسان دياب في مطلع العام 2020 إلى التوقف عن الدفع من دون أن تبادر الحكومة اللبنانية الى اعتماد خطة واضحة وصحيحة تضمن حقوق المودعين وحقوق الدائنين ومصلحة الاقتصاد الوطني، ودون أن يصار إلى التنسيق مع صندوق النقد الدولي، ودون أن يصار إلى معالجة جوهر المشكلات التي أصبح يعاني منها لبنان، والتي تتركز في أن الدولة اللبنانية أصبحت مخطوفة من قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية وفي مقدمتها حزب الله. وعلى هذه المسارات الخاطئة، جرت الإطاحة بمبدأ فصل السلطات، وعدم احترام استقلالية القضاء، واللتان ينص عليهما الدستور اللبناني. وهكذا أصبح لبنان يشكو من مشكلة كبيرة تتركز في ازدواجية السلطة”.
وتابع: “هذه الأمور مجتمعة اوصلت الوضع اللبناني إلى الانهيار، إذ أصبح اللبنانيون يعانون من ازمة تضخم هائلة، وأصبح يستحيل على اللبنانيين استعادة الودائع التي أودعوها في المصارف، ومعظمها بالدولار الأميركي، وبات المودعون لا يستطيعون أن يسحبوها ويحولوها إلى دولار (فرش دولار)، إلا بعد أن يخسروا قرابة 85% أو أكثر من قيمتها. وأصبح من غير الممكن للمودع اللبناني أن يسحب جزءا من أمواله ومدخراته المودعة في المصارف لتأدية حاجاته اليومية. لا يستطيعون سحب جزء من أموالهم وما يحتاجونه ليؤمن لهم عيشهم الكريم، أو حتى لدفع مصاريف الطبابة والتعليم وغيرها.
السؤال الآن: ما هو الحل؟ الحل الحقيقي برأيي يتطلب تحقيق عدة أمور مجتمعة، وليس هناك من حل سحري أو دواء واحد يحل كل المشكلات. بداية، هناك حقيقة أساسية يجب الإقرار بها، وهي أن المصارف لا يمكن ولا يجوز لها أن تتخلى او تتهرب من مسؤوليتها عما حصل وفي أنها استثمرت تلك الودائع العائدة للمودعين في سندات الخزينة اللبنانية دون التبصر بمآلات هذا التركيز في استثماراتها على مدين واحد غير عابئين بمشكلتي السيولة والملاءة. ولهذا، فإن هذا التعسر الذي أصاب المصارف ليس مسؤولية المودع.
النقطة الثانية، أن اللبنانيين لم يعد لديهم ثقة في الغد وهذا الأمر هو جوهر المشكلة، والذي يقتضي أن على الجميع أن يدركوا أن عليهم الحرص على عدم التلهي فقط بالماضي، ولا يجوز التركيز فقط على ما حصل وأسبابه وعلى من تقع المسؤولية، بل يجب النظر أيضا وبذات المقدار إلى المستقبل، وعما يجب القيام به. إذ ليس هناك من دولة تفلس. والدولة قادرة دوما على خلق قيم وموجودات جديدة. ولذا، يجب أن يصار إلى طمأنة المودعين، وذلك أنه بالإمكان الحصول على مدخراتهم على مدى فترة معينة في المستقبل. ولكن هذا الأمر يتطلب مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية في لبنان، وذلك إلى جانب اتخاذ القرارات السياسية التي تستعيد ثقة اللبنانيين بغدهم. وبداية، وهذه مسألة أساسية، وهي أنه يقتضي العمل على استعادة ثقة اللبنانيين بما يعني أنه يجب أن يطمئن اللبنانيون والمودعون بأن ليس هناك ما يسمى “عفا الله عن ما مضى”. وبالتالي لا تجوز مسامحة من تسبب بالإساءة، أي أن الذين أساؤوا التصرف، والذين كانوا مسؤولين عن هذا الانهيار، وعن ذلك الفساد وعن تلك المحسوبية يجب أن يخضعوا للمحاسبة، وكل ذلك مع الحرص على القيام بما ينبغي القيام بإنجاز ما يقتضيه المستقبل من معالجات وقرارات”.
ولفت الى ان “حتى هذه اللحظة هناك حالة من التشظي لدى الدولة ولدى اللبنانيين، وبالتالي أصبح واضحا عدم القدرة لدى تلك الحكومات على اتخاذ القرار الصحيح لأخذ اللبنانيين إلى المستقبل للمشاركة في الاستفادة من التحسن المستقبلي الذي يمكن أن يشارك فيه جميع اللبنانيين”، مشيرا الى أن “هذا الأمر يقتضي قدْرا كبيرا من الصراحة والوضوح والشفافية في قول الحقيقة، وفي استنهاض اللبنانيين من أجل اتخاذ القرار الصحيح وبعدها في صحة التنفيذ والابتعاد عن الأوهام”
وقال: “على سبيل المثال، التفاوض الذي حصل والاتفاق مع إسرائيل برعاية الوسيط الأميركي من أجل أن يصار إلى حل مشكلة ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في البحر ما بين البلدين: هذا الخبر جيد ومفيد، ولكن هذا الترسيم وعلى أهميته، فإنه لا يجوز إلهاب التوقعات لدى اللبنانيين دونما مبرر ودون طائل. إذ أن هذا الاتفاق على الترسيم ليس بديلا عن واجب الحكومة ولوج السياسة الإصلاحية الحقيقية التي طال الاستعصاء عليها من أجل ترشيق الدولة اللبنانية المترهلة وترشيد قراراتها، وهي التي- وياللأسف- أصبح يسيطر عليها الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشاوية، وفي مقدمها حزب الله الذي أصبح يسيطر على الدولة اللبنانية. وكما هو معلوم القول الشائع أن “قبطانين في ذات السفينة يؤدي بها إلى الغرق”. وهذا معناه أنه لا يمكن أن تكون هناك ازدواجية في السلطة. هذا هو بتقديري هو المسار الضروري والحتمي الذي يجب أن يعتمده لبنان من أجل مواجهة هذا الوضع الذي إن استمر، فإنه يأخذ البلاد إلى المزيد من الانهيار.
لذلك، فإن الأمر أصبح يتطلب درجة عالية من ممارسة المسؤولية؛ ومنها ما يتعلق بالعودة إلى احترام الدستور واتفاق الطائف، وعدم المس باستقلالية القضاء، وعدم القبول بالاستمرار في استتباع إدارات الدولة لصالح الأحزاب الطائفية والمذهبية والميلشياوية، وهو ما يعني ضرورة اعتماد سياسة وإجراءات إصلاحية حقيقية. هذه القرارات الأساسية هي السياسات والإجراءات الإصلاحية التي يجب أن يعتمدها لبنان ولا حل على الإطلاق من دونها. إذ يجب على الجميع أن يدرك أن ليس هناك من حلول سحرية. هناك سياسات وقرارات وإجراءات يجب أن اتخاذها للسير قدما على طريق الإصلاح بما يستعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم”.
واعتبر السنيورة أن “لبنان أصبح خاضعا لسيطرة حزب الله- ومن ورائه إيران- بحيث أصبح وكأنه بحالة عداء مع محيطه العربي”.
وقال: “الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع أن لبنان لا يستطيع أن يستمر في حالة خصام مع محيطه العربي ولا ايضا بحالة التنكر للشرعية الدولية، وهناك حاجة ماسة من أجل أن يعود لبنان لتنمية اقتصاده، ويكون حريصا على تنفيذ هذه السياسات الإصلاحية الرشيدة وعلى استنهاض قطاعه المصرفي، وهو القطاع الذي كان قطاعا رائدا في العالم العربي.
هذه الامور كانت من ضمن ميزات لبنان التفاضلية، وهي التي مكنته وجعلته في الوضع المميز ضمن محيطه العربي. في المقابل- وياللأسف- أصبح لبنان الآن في حالة من التدمير الذاتي بسبب هذا التسلط عليه، وهو ما أصبح عليه لبنان في هذه الآونة.