Nouvelles internationales

لبنانيّون في saint sulpicelauriere

 

في مقاطعة Limoge الفرنسيّة، التي تبعد عن باريس قرابة ساعات ثلاث في القطار، وفيما أنت صاعدٌ نحو الرّيف الفرنسيّ وتحديداً في منطقة Lauriere، في إحدى القرى التي تصل المدينة بالقرى التي تمتدّ صعوداً في لوحة خضراء وفيها بحيرات تُعتبر خزّان فرنسا المائيّ، تجد على الطريق العامّ المسمّى colle de la roche، بالقرب من منزلٍ قديمٍ كبير، عَلَماً لبنانيّاً ومزاراً للقدّيس شربل: إنّها عائلة لبنانيّة بلا شكّ. تنزل وتقرع الباب، وإذا بشابٍّ خمسينيّ يفتح مع سؤالٍ باللغة الفرنسيّة المحبّبة، oui؟

عندما أجبناه باللهجة اللبنانيّة، اكتشفنا بعد التعارف أنه محامٍ لبنانيّ يُدعى جميل حرب ومعه زوجته السيّدة Lucine، ويجيبنا بنبرة صوتٍ ولهجةٍ بقاعيّة، “يا أهلا وسهلا يا أهلا وسهلا!”.

بعد الترحيب، سألناه، كيف وصلتَ إلى هنا؟ فأجابنا بالسؤال نفسه: أنتم كيف وصلتم إلى هنا؟ وبعد ضحكٍ تلاه صمت، راح يخبرنا، فقال: وصلتُ إلى saint sulpicelauriere، في سنة 2015، ولم يكن أحدٌ هنا غيري في المنطقة، إلا قلّةً من الفرنسيّين الذين يقضون تقاعدهم هنا، وبعد فترة استثمرتُ في قطاع العقارات وتحديداً المنازل، شراءً واستصلاحاً، وأتى من بعدي لبنانيّون إلى القرية التي فيها الآن أكثر من 20 عائلة لبنانيّة وما يقارب 50 شخصاً لبنانياً، يعملون في مختلف القطاعات، معظمهم اشترى منزله الخاصّ وهُم يتّكلون على سواعدهم وفكرهم وإرادتهم. والدته الثمانينيّة تجلس على أريكة قديمة، نسألها عن حياتها في فرنسا فتجيبنا السّيدة دنيا إنّها في زيارة لأولادها، وهي بصدد التحضير للعودة خلال الصيف إلى لبنان، فتتدخّل ابنتها السيّدة روى التي تعمل كممرضة في إحدى المؤسسات الصحيّة، وزوجها “الحاج”، وهو من نيحا البقاع، كما ينادونه بالحاج تحبّباًلأنّ اسمه نقولا، وهذه الألقاب هي من العادات اللبنانيّة المعروفة، فيقولان إنهما سيزوران لبنان خلال الصيف مع ولديهما الياس وميريم لكي يبقيا في المناخ العائليّ اللبنانيّ، وهما طالبنا أيضاً في مدرسة college Jean Rostand في القرية الفرنسيّة مع نتائج باهرة بين أقرانهم الفرنسيّين.

من حسن حظّنا أن هذه الزيارة كانت نهار الأحد الواقع في التاسع عشر من شهر شباط، وصودف أنّ مطران المقاطعة يزور القرية، بهدف التعرّف باللبنانيّين في قرية stsulpice، بعد أن وصلته أخبار التزامهم القدّاس الإلهيّ، والنشاطات الدينيّة المختلفة، في رعيّتهم الفرنسيّة الكاثوليكيّة، فأصرّ مضيفنا على البقاء للمشاركة في القدّاس ثمّ في الغداء بعده.

عند دخولك إلى كنيسة السيّدة العذراء في القرية، تجد لبنانيّين يتدرّبون على تراتيل لبنانيّة وفرنسيّة على السّواء، وعيون الفرنسيّين تتفاجأ بالترانيم اللبنانيّة العربيّة وتغتبط للفرنسيّة منها، يشترك في الترنيم حوالي 15 شابّةً وشابّاً لبنانيّاً تديرهم طالبة جامعيّة لبنانيّة تدعى ماريا الأشقر ويعاونها أخوها جورج، وهو طالب أيضاً، ومدرّس في إحدى المدارس الفرنسيّة، وقد حملتهما أوضاع لبنان على متابعة دروسهما في فرنسا، فانتقلا مع الأهل إلى تلك القرية واشتريا منزلاً ريفيّاً تقليديّاً، كانت لنا زيارةٌ إليه بعد إصرار والدتهما السيّدة ندوى وزوجها السيّد سليم الأشقر من زحلة لارتشاف قهوة لبنانيّة تحتفظ بها في منزلها كضيافة مميّزة لمن يعرف قيمتها هناك!

التقينا بعد القداس على مائدة محبّة أعدّتها العائلات اللبنانيّات في saint sulpice، عرفنا منهم عائلة ناجي سعادة و بشارة يارد من زحلة، وعائلة يوسف الخوري من الفاكهة وعائلة يوسف عرّوق وعائلة بلدي وعائلة سليم اندراوس… وعائلات أخرى تعذّر حضورها في ذلك اليوم نظراً لظروف وظيفيّة، لحضور اللقاء المُقام على شرف المطران وكاهن الرعيّة ورئيس البلديّة، وقد كانت خلاله كلمات للبلديّة والمطران وجميل حرب للمناسبة، ولم تخلُ الكلمات من الإعجاب الذي أظهره الفرنسيّون بفرادة اللبنانيّين واندماجهم السّريع بالعادات الفرنسيّة، وركّز المطران BOZO pierre Antoine على الالتزام الدينيّ الذي حمله اللبنانيّون معهم إلى أبرشيّتهم الجديدة، مرحّبا بهم ومصرّاً على متابعة أمورهم من قريب، فردّ المحامي حرب بكلمة أعرب فيها عن الأخوّة التاريخية بين لبنان وفرنسا، شاكراً للفرنسيّين كهنةً ورسميّين على الترحيب اللافت الذي لفّوا به اللبنانيّين في تلك المنطقة من فرنسا.

عجيبٌ أمر الللبنانيّين، جُلنا على بيوتهم واحداً واحداً، حملت جميعها علامات الترتيب اللبنانيّ المعروف، وصور القدّيسين في داخلها، توحي لك بشعبٍما دام متّكل على الله لا يمكن أحداً أن يهزمه أو أن يُحبطه، وفي محادثتك إيّاهم، تعرف أنّ معنويّاتهم مرتفعة وعيونهم تلمع بطموحات سوف يحقّقونها حيث حملتهم رياح المخطّطات الدوليّة: في داخل تلك العيون أيضاً، تجد حنيناً يرنو إلى وطنٍ يريدون العودة إليه عندما تسمح الظروف، وهم ينتظرون تلك الظروف بشوق.

من لبنان، من بيروت، تحيّةً لكلّ لبنانيّ مغترب، وتحيّة طيّبة للّبنانيّين والفرنسيّين فيsaintsulpicelauriere.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى