Art

الحجاب في الدراما العربية: المُقنِع، البشع، أو التمييزي

في الموسم الرمضاني الحالي، طاولت انتقادات عديدة، مشاهد أو صور ظهرت في مسلسلات تلفزيونية عربية، من ناحية تشويهها صورة المرأة المحجبة، سواء في مصر بالانتقادات لمسلسل “تحت الوصاية” حتى قبل عرضه، عطفاً على الحملة التي ما زالت مستمرة ضد بطلته منى زكي إثر مشاركتها في فيلم “أصحاب ولا أعز” الذي عرضته “نتفليكس” العام الماضي، وصولاً إلى لبنان حيث مسلسل “النار بالنار” وبطلته كاريس بشار التي تخلع الحجاب في مشهد تبرّأ منه كاتب العمل رامي كوسا.
وبرزت الحملة ضد “تحت الوصاية” مع نشر البوستر الدعائي للمسلسل قبل عرضه، وأثيرت حوله ضجة واسعة بسبب شكل الشخصية الرئيسية، وهي سيدة محجبة، غير “مرتّبة” المظهر. وظهرت زكي بوجه شاحب وعابس بلا مكياج وحاجبين عريضين، وفي ملابس متواضعة وفقيرة تتناسب مع شخصية من الطبقة الكادحة ومثقلة بالمسؤوليات والهموم.

والبوستر كان كافياً لأن يتهم منتقدو العمل الرمضاني، وقبل مشاهدة لقطات منه، بالإساءة للمرأة المصرية، ومحاولة تشويه الدين والحجاب تحديداً، “عبر إظهار المحجبة بمظهر قبيح، في نظر شريحة كبيرة من المصريين، والجمهور العربي”. واتهم الكثير من المعلقين زكي بـ”تشويه المحجبات”، ورسموا في مخيلتهم قبل مشاهدة العمل، سيناريوهات مفترضة لقصة تتمحور حول الحجاب القسري، تنتهي بخلعه و”تحرر” البطلة، إضافة إلى تشويه صور المرأة المصرية المحجبة وإظهارها قبيحة ولا تهتم بهندامها.

المحجبات في الدراما كن دائماً مركز نقاش متزايد. الممثلة السورية سلافة معمار، بلغت النجومية عندما لعبت دور بثينة في مسلسل “زمن العار” العام 2009، وهي شخصية امرأة محجبة، أتبعتها بشخصيات من النمط نفسه. وفي العامين الأخيرين، تم إظهار المحجبات في قالب واحد “كالفقر، والتلفي وراء الحجاب لإخفاء حقيقتهن، أو تجارة المخدرات أو أخذهن كشخصيات ضعيفة وخانعة”.

هذا النقاش عاد ليشتعل مع مسلسل “النار بالنار”. ففي الحلقة العاشرة منه، تتوجه مريم (كاريس بشار)، مع عمران (عابد فهد)، إلى رجل يزوّر جوازات سفر يُدعى النقّاش، لإستخراج باسبور مزور لتسهيل تنقلاتها، فلا تعود بحاجة إلى تجديد إقامتها، حيث طُلب منها خلع حجابها، بحجة أن ذلك أفضل “لأنهم سيعلمون بأنها ليست من الجنسية اللبنانية من طريقة وضع الحجاب”.

هذا المشهد لاقى إنتقادات لأن طريقة الحجاب التي تعتمدها مريم ليست حكراً على المحجبات السوريات، بل هناك لبنانيات يرتدين الحجاب بالطريقة نفسها. وبعدها، تنكّر كاتب السيناريو رامي كوسا، للمشهد، عبر حسابيه في “فايسبوك” و”تويتر”، زاعماً أنّ الحوار الذي حصل في المشهد لا صلة له به لا من قريب ولا من بعيد، حيث يرد النقّاش: “عفواً ستنا، ممكن بلا غطا الرأس؟ لأنو أي حدا ريح يمسك الباسبور ريح يعرف أنّك مش لبنانية هيك!”.

وقال كوسا أن “الجملة أضيفت من قبل شخص ما. لا أستطع أن أحدد أو أجزم من يكون، لكن الأكيد أنها تمّت بموافقة المخرج محمد عبد العزيز لأنه لو كانت لديه ملاحظة عليها، لحذفها في موقع التصوير أو خلال عملية المونتاج”. وأضاف: “حاولت أن أبرّر أنه ربّما الإسم الجديد الممنوح للشخصية في جواز السفر المزور، يدل على خلفية مسيحيّة، ما يتعارض مع الحجاب مثلاً، غير أن الاسم الممنوح هو رلى زياد بيضون، وعائلة بيضون ليست مسيحية في لبنان”.

ورأى كوسا أنّ الاستياء الحاصل من الجملة، وتفسيرها من قبل مغردين كثر على أنها انتقاص من المحجبات أو إعتبار أن النموذج العام للمرأة اللبنانية يشترط ألا تكون محجبة، لا يجب أن يوجه إليه إطلاقاً، وقال أنه لاعلاقة له من قريب ولا من بعيد بهذه الجملة. ولفت إلى ما ورد على لسان مخرج العمل، محمد عبد العزيز، الذي قال أن كل التعديلات جرت بمعرفة تامة من الجهة المنتجة بشكل مطلق، جازماً بأن القائمين على شركة “الصباح” المنتجة للعمل لم يكن لديهم علم بأنّ هذا التعديل قد “ينتج إرباكاً، معرفتي بهم لا تحمل إلا كلّ الإحترام لكل مكونات لبنان”.

إلى ذلك، أشعل المشهد موجة غضب في لبنان، لما فيه من إيحاء بأن الحجاب دخيل على لبنان وغريب عنه، وهو الذي يضم مليوني مسلم، فهل كان خلع مريم حجابها مُقنعاً لتبدو لبنانية؟ وجاءت ردود الأفعال، لتستنكر معادلة الحجاب في المسلسل، “ومن سمح لنفسه أن يعمم أن بلبنان ما في محجبات، والتلميح بأن شلح الحجاب هو أمان ونجاة وتماهٍ، وهل تواجه المحجبات في لبنان الخطر؟ ولماذا يستمر تشنيع صورة المحجبة في الدراما العربية، في دور الجاهلة، والخانعة والمستسلمة، وتاجرة المخدرات؟”.

والحال أن التجوال في شوارع بيروت، يُظهر شخصيات مماثلة لشخصية مريم. في حين قال البعض، أن طلب خلع الحجاب في لبنان، هو ظاهرة مألوفة، إن أردات أن تقدّم على وظيفة معينة مثلاً، أو الوصول إلى مكانة في المجتمع. وهو محط جدال قائم دوماً في منصات التواصل الإجتماعي.

وأحدث المشهد أيضاً قبولاً، لدى شريحة من اللبنانيين، بإعتبار أن للمجتمع السوري “ستايل خاص في الحجاب، يتميز عن غيره”، فيما استحضر البعض الآخر مشاهد من مسلسل “باب الحارة” ومسلسلات البيئة الشامية الأخرى التي حصرت المرأة في قالب معين، وكانت محل قبول وإعجاب بتصوير حقبة معينة من التاريخ السوري، مهما كانت الملاحظات على الدقة أو الحرفية في تمثيل هذه الحقبة.

ورأى معلقون في مواقع التواصل، أن الدراما العربية مصنوعة للتلاعب بعقول المشاهدين، وتمكنت بفعل المؤثرات التي تمتلكها من عرض كمٍّ هائل من الثقافات والعادات والتقاليد، وتمكنت من تشكيل صورة ذهنية تجافي الواقع. والمرأة المحجبة واحدة من النماذج التي لطالما صورتها الدراما التلفزيونية على غير حقيقتها، كما يرى كثير من المنتقدين.

مثلاً، صورة المحجبات في لبنان، حضرت منذ سنتين، وعندما حضرت جاءت في صورة المرأة الخادمة، والتي تقدم القهوة والشاي، والمتخلّفة والرجعية، والمرأة التي تثير الشفقة، أو التي عليها التنازل عن الحجاب لتحصلل على مُرادها. فهل نعتبر أن الدراما لم تفلح بعد في تصوير الشخصيات المحجبة كصورة طبيعية في المجتمعات العربية، والتي تختلف أو تتشبه في طرق لباسها؟

بالرجوع إلى مسلسل “النار بالنار”، فإن طريقة “حجاب مريم”، هو مشهد تألفه الساحة اللبنانية، كمناطق صيدا وطرابلس وطريق الجديدة، وليست حكراً على السوريات.. وبالتالي، أضيف إلى كل ما سبق، التمييز العنصري من خلال الحجاب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى