في قلب العاصمة اللبنانية، حيث تلاقت أمواج المتوسط بأحلام وآمال الأجيال، يواجه القطاع العقاري معركة بقاء. سنوات من الأزمات المالية والسياسية ألقت بظلالها الكثيفة على هذا القطاع الحيوي، مما جعله يشهد تقلبات دراماتيكية وتحديات غير مسبوقة. مع ذلك، وفي زوايا هذا المشهد المعقد، تبرز بعض الفرص التي قد تبشر بإمكانية التعافي في المستقبل.
العوامل الاقتصادية: الليرة والركود
منذ أواخر عام 2019، بدأت الأزمة المالية في لبنان تأخذ منحى تصاعديًا حادًا، حيث انهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، ما أدى إلى تضخم مفرط أثر بشدة على الأسعار، بما في ذلك أسعار العقارات. هذا التضخم، الذي قفز بالأسعار إلى مستويات قياسية، جعل من الصعب على المواطنين العاديين وحتى على المستثمرين المحليين التعامل بالليرة، خاصة مع استمرار القيود الصارمة على السحوبات بالدولار من البنوك اللبنانية.
هذا الوضع المالي الهش انعكس على القطاع العقاري، حيث انخفضت القدرة الشرائية وازداد الطلب على العقارات الصغيرة والمنخفضة التكلفة. يقول جورج، أحد وكلاء العقارات في بيروت: “الكثير من الناس يبحثون الآن عن شقق أصغر أو عقارات يمكن تأجيرها بأسعار معقولة. الأسواق الفاخرة ليست كما كانت عليه من قبل”.
الاضطرابات السياسية والامنية: عقبة أمام الاستثمار
الاضطرابات السياسية المزمنة في لبنان تلعب دورًا رئيسيًا في تفاقم أزمة العقارات. التوترات المستمرة، من الامن إلى الفراغ الحكومي، خلقت جوًا من عدم الثقة والخوف، مما أدى إلى هروب الاستثمارات. المستثمرون الأجانب، الذين كانوا يشكلون شريانًا حيويًا لهذا القطاع، أصبحوا يتجنبون الدخول في سوق غير مستقر.
ويشير سمير، مستثمر عقاري لبناني مغترب: “من الصعب جدًا حاليًا إقناع أي مستثمر أجنبي بوضع أمواله في لبنان. الجميع يخشى من عدم استقرار المستقبل”.
التحديات الاجتماعية: الفقر والهجرة
مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والزيادة المستمرة في هجرة الشباب بحثًا عن فرص أفضل، شهدت البلاد تراجعًا كبيرًا في الطلب على العقارات السكنية. “السوق يعاني من نقص في المشترين”، يقول جورج، مطور عقاري. “الأشخاص الذين كانوا يفكرون في شراء منازل لأنفسهم أو لأسرهم يغادرون البلاد بدلاً من ذلك”.
هذه الظروف دفعت السوق إلى التكيف مع الواقع الجديد، حيث أصبحت الشقق الصغيرة والعقارات ذات التكلفة المنخفضة أكثر شيوعًا.
فرص المغتربين: أمل يتجدد
على الرغم من كل التحديات، يظل المغتربون اللبنانيون أملًا للقطاع العقاري. بعضهم يرى في الأزمة فرصة لشراء العقارات بأسعار منخفضة، على أمل أن يعود الاستقرار في المستقبل وترتفع قيمة استثماراتهم، فبعضهم يرى بأن الأسعار مغرية الآن، وهذا يشجع على الاستثمار.
على الرغم من أن القطاع العقاري في لبنان يواجه تحديات هائلة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا أن هناك فرصًا كامنة قد تساهم في تعافيه. من خلال إصلاحات جذرية وتعزيز الاستقرار، يمكن لهذا القطاع أن يستعيد عافيته بمرور الوقت..