كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
تحوّل، في الأيام الأخيرة، الاهتمام المحلّي إلى الرياض بفعل اللقاءات التي عقدها الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان – إيف لودريان، لعل أبرزها تأثيراً إجتماعه مع المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء للشؤون الخارجية المكلف ملف لبنان نزار العلولا، بمشاركة السفير السعودي وليد البخاري. إذ إن من شأن هذا الاجتماع أن يحدّد المسار السياسي الذي قد يكون عليه لبنان حتى نهاية السنة، وهو المحكوم بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة ومآلاتها، وبنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني، وبينهما ما تبذله إدارة الرئيس جو بايدن من جهد إضافي في سبيل إرساء دعائم تسوية في لبنان تبدأ بمعالجة الملح الأميركي المتمثل في مسألة الحدود البرية مع إسرائيل.
ليس من المتوقع أن ينتهي الحراك الفرنسي – السعودي إلى نتائج فورية، لكن مجرد استئناف الجهد يعيد الحياة إلى الاستحقاق الرئاسي ويشكل دافعاً للمسؤولين اللبنانيين كي يعيدوا الانتظام إلى الحياة السياسية، بدءًا من الالتقاء وصولا إلى حوار حقيقي وفاعل يُنهي الفراغ وتداعي الهيكل المؤسسي.
ولا تنفكّ باريس تعمل على إقناع الرياض بالانخراط في الشأن اللبناني، الأمر الذي لا يجد بعد الصدى المطلوب لدى القيادة السعودية.
ولا ريب أن انعقاد اللجنة الخماسية في بيروت على مستوى السفراء في 14 أيلول سيُسهم في بلورة مآل التحرك العربي – الدولي والعناصر الضاغطة على المسؤولين اللبنانيين لتلّقف الفرص المتاحة للحل، على أن يتقرر في ضوء الاجتماع الخماسي إمكان أن يزور لودريان لبنان مزوّدا بأفكار جديدة.
في الانتظار، يتابع السفراء الخمسة، إفراديا، الوضع المحلي، علما انهم لم يلتقوا منذ بداية الصيف، ربما ليقينهم من عدم وجود منفعة من الاجتماع نتيجة التطورات التي تحكّمت بالأشهر الثلاثة الأخيرة الناتجة من حرب الاسناد، وحالت دون أي تقدّم في الحوار اللبناني حول الرئاسة، مع الإشارة إلى أن الدوحة شهدت في الآونة الأخيرة لقاءات غير معلنة، من بينها اجتماعات مع قيادات لبنانية.
وبرزت حركة السفير المصري علاء موسى وكلامه التحفيز الذي يرمي منه إعادة استنهاض المسؤولين اللبنانيين من أجل استعادة المبادرة والتوقّف عن انتظار الخارج.
بالتوازي، لا تزال النافذة الأميركية متاحة أمام الحل اللبناني حتى كانون الثاني 2025، على الرغم من ضيق المهل والانشغال المتفاقم للديمقراطيين بحملة نائبة الرئيس كامالا هاريس. وليس خافيا أن لبنان موعود بانفراجات سياسية واقتصادية ومالية متى سلكت التسوية الحدودية مسارها المخطط له أميركيا، تبدأ بتسهيل انتخاب الرئيس ولا تنتهي بمعالجة الملفات الشائكة والمشاكل التي تثقل على اللبنانيين وعلى الخزينة العام، في مقدمها الكهرباء. وهذا ما سبق أن أبلغ إلى المسؤولين اللبنانيين المستشار الرئاسي الاميركي آموس هوكستين، وينتظر المباشرة فيه متى وضعت الحرب الإسرائيلية في غزة أوزارها.
ولا يُستبعد أن تكون المحاسبة القضائية للحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة مرتبطة بهذا المناخ الاميركي – الفرنسي الراغب في إرساء تغيير جذري تدريجي في آليات الحكم اللبنانية، إنطلاقا من قناعة مشتركة بأن المنظومة التي تحكّمت بلبنان على امتداد الثلاثين سنة الفائتة هي المسبّب الرئيس للتداعي الحاصل، ومحاسبتها ضرورية ولازمة لتحقيق التغيير.
في أي حال، ليس اكيدا ما ستصبح عليه المقاربة الأميركية للملف اللبناني في حال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بالرئاسة، علماً أن فترته الرئاسية لم تحمل الكثير من الودّ، وهو كان على كثير من التجاهل مع غياب أي سياسة واضحة. لكن التضييق الذي أصاب لبنان فكان نتاج سياسة عصر إيران التي اعتمدها وتركت تداعياتها في المنطقة بأكملها، مع تأثير سلبي لسياسة وزير خارجيته مايك بومبيو.
وثمة من يرى أن حزب الله متنبّه إلى هذا الواقع الأميركي وتداعيات فوز ترامب عليه. وليس من المستبعد أن يبادر إلى خطوات متسارعة في الملف الرئاسي تلاقي، موضعيا، الجهد الرئاسي الاميركي، إنطلاقا من أن مكاسبه لن تكون حتماً هي نفسها في عهد الجمهوريين. لذا قد تتغيّر جزئيا المقاربة الرئاسية للحزب في اتجاه مرشح جديد (يُتداول باسمه في الأوساط اللصيقة به) في حال لم يستطع تأمين الغالبية الوازنة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية.