Culture

ماذا فعلتم بالمرأة الأنثى؟

الدكتورة سناء الصيادي   دكتوراة في علم الاجتماع

 

 

هل تداركت جمعيات حقوق المرأة والحركات النسوية تداعيات عبثها بعقول الفتيات والنساء في مجتمع ذكوري بامتياز؟ و هل تواكب الوضع الذي وصلت إليه نساء عصرنا الحاضر؟!

 

هل من المنطق توعية المرأة على حقوقها في بيئة حصرت دورها في الواجبات المنزلية والزوجية والأمومة على مدى عقود من دون أن يحسب هؤلاء بنية هذا المجتمع و سلطة التقاليد فيه؟

 

إلى أيّ مدى نجحت المرأة في تحقيق التوازن بين الأنوثة والإستقلالية؟ وما هو دور الرجل في خلق هذا التوازن؟

 

دعوني أخبركم أمراً ولا تستهجنوا

 

إنّ الزوجة في الأيام الغابرة كانت غالباً “سيدة منزل” و لم تكن “ست بيت” بالمعنى المتداول، وكانت تلقى من الاحترام والتقدير والدّلال ما تطمح إليه وتتمناه غالبية زوجات العصر الحاضر، فهي كانت أنثى بدرجة مثاليّة، مما يعزز آلياً ذكورية الرجال، ومهماتُها كانت أقلّ مما تقوم به اليوم المرأة التي تتباهى بالحصول على حقوقها والتي تستضيفونها في ندواتكم لتكون مثالا يحتذى.

 

هي امرأة تزوجت في سنٍّ مبكِّر جداً، وبالتالي فإن تحصيلها العلمي كان  متواضعاً، هذا إن أُتيحت لها فرصة التعلّم أساساً، مما لا يؤهِّلُها لمتابعة الأولاد دراسياً لا من قريب ولا من بعيد.

 

الأولى لم يكن مسموحاً لها بالخروج من المنزل بلا إذن أو ضوابط، وكان التسوق غالبا من الممنوعات، فكانت معفاةً من التبضّع على مختلف أشكاله وكان الأمر يقع على عاتق الرجل.. كما أن النّزهات كانت ضمن نطاق العائلة الصغرى أو الموسعة.

 

ولا شك أنّ “العونة” بين الجارات والأقارب كانت تخفِّف من عبء الواجبات المنزلية و تربية الأولاد؛ هذا عدا عن توفّر العاملات المنزليات لدى العديد من العائلات الميسورة.

 

وهذا الوضع كان يتيح للزوجة متّسعاً من الوقت للإهتمام بأنوثتها وزينتها والزيارات العائلية والاجتماعية ولارتياد دور السينما الذي كان شائعاً وقتها.

 

لم تكن الزوجة آنذاك تعلم شيئاً عن حقوق المرأة وحريتها.. وبالتالي لم تكن تشعر بالغبن بل كانت تستمتع بأنوثتها وتستشعر الإكتفاء من أبسط الأمور.. وكانت سيدة على بيتها وأولادها وتتمتع بالإحترام والتقدير.. إلى أن هبّت رياحُ التغيير وحملت معها موجات حريات المرأة في التعلّم والعمل والانخراط في المجتمع والحق في إتخاذ القرارات، ونثرت بذور عنفوان الشخصية النسائية ومقاومة “هيمنة الرجل“.

 

حصلت الزوجة المعاصرة على حقها في التعلم، وبالتالي فمن غير المقبول ألا تتابع دراسة أولادها بكل تفاصيلها بعد أن نالت الشهادات العلمية.

 

أما تحرّرها في الخروج من المنزل وإصرارها على قيادة السيارة فجعلها غالباً مسؤولة عن تأمين كافة المستلزمات من الطعام واللباس ومعاينات الأطباء وغيرها… كما وضع على عاتقها المهمّات الترفيهية للأولاد التي اتسع نطاقـُها مع التطوُّر الاجتماعي لتشمل النوادي والموسيقى وأعياد الميلاد وغيرها..

 

ورغم تكاثر المهمات أصرّت المرأةُ المعاصرةُ على المحاربة للحصول على حقها بالعمل بناءاً على التحريض المقنِع بأنَّ الاستقلالية الشخصية ترتبط بالاستقلالية الاقتصادية، وهو بكل تأكيد منطقٌ صائب.

 

ولكن..

 

هل تقلّص دور المرأة كربّة منزل بعد تكاثر أعبائها؟

 

إلى أي مدى أعانها الرجل الذي اختار امرأةً عاملة واستفاد من وضعها الجديد الذي وفّر ماله ووقته وقسط من تعبه؟؟؟

 

والتساؤل الأهمّ: هل اعترف الرجل فعلياً بحقوق وحريات المرأة كما يدّعي؟

 

وهل ينظر لشريكته الجديدة في كافة الميادين نظرة تقدير، أم أنّه يعتبرها منافساً غير كفوء وأنّ مهاراتها لا تتعدّى حدود المطبخ والأمومة كما تربّى؟

 

هل يرى ملامح الأنثى اليانعة التي تغلِب عليها مشاعرُها خلف نظارات العمل، أم أنّه يراها ندّاً مستفزاً لذكوريته؟ وإلى أي مدى تساهم المرأة في هذا السياق؟

 

الأنثى العزباء.. الإبنة والأخت

 

لم تواجه الأنثى العزباء عقباتٍ في الحصول على حقوقها في التعليم أو في العمل خاصة لدى الأسر التي تنتمي للطبقة الميسورة والمتوسطة باعتبار أنّ الأنثى لم تكن مهمّشة أصلاً، بل إنها لاقت كل الدعم والتشجيع. وسريعاً ما تبنّت الطبقةُ الفقيرة الفكرة كونها آليّة لتحسين الوضع الاقتصادي للأسرة وسبيلاً لتوسيع أطر التعارف الشريف للفتاة سواءاً في محيط الجامعة أو العمل.

 

أما إشكالية قبول شخصية الأنثى المتعلمة والعاملة التي باتت ترى الأمور من زوايا مختلفة وأضحت تطالب بالمساواة مع أقرانها الذكور بالتقدير والخروج وما إلى ذلك، فقد تفاوتت مستويات التقبل تبعاً لعدة معايير منها دينية ومنها أخلاقية ويضاف إليها مدى الإرتباط بالتقاليد الاجتماعية.

 

الطرح غير المبتكر

 

ولكن، ألا يجدر التفكير بتلك الأنثى التي لم تألُ جهداً لتحصل على قسط من التعليم وانخرطت في ميادين العمل وتوسعت دائرة معارفها وإدراكها لتجد أنّ دورها في غالبية الأسر لم يطرأ عليه أيّ تعديل رغم تباهيهم بما استطاعت تحقيقه، فهي ما زالت الأنثى التي يجب أن تطيع الأهل والإخوة الذكور وتلبي طلباتهم المنزلية، وقلّما يُؤخذ برأيها في القرارات.

 

هنا تُكوى المرأة بين نارين: إمّا المحاربة المضنية لإثبات وجودها، وإما الانصياع للأمر الواقع مما يفرض عليها لعب دور شخصيتين مختلفتين..

 

شخصية الأنثى المستقلة في العمل وشخصية الأنثى التقليدية في المنزل، مع خسارة حالة الرضى والقناعة التي كانت تتمتع بها “فتاة البيت” والتي كان أقصى أحلامها هو انتقالها لبيت الزوجية.

 

فهل جرى انصاف المرأة التي حصلت على حقوقها أم أنّ توعيتها وإدراكها وضعها في مأزق جديد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى