Culture

هَجْرُ الأَحبَة

هَجْرُ الأَحبَة

سألتُ الناس وجوهاً غائبة قالوا: غادروا البلاد على عجلٍ ودون وجلٍ، هاجروا بعد أن عزّت عليهم عيشةُ الهوان، فَفقدُ الكرامة ذلٌ ومهانة، وفقرُ العيش موتٌ واستكانة .

رحلوا دونَ وداع، وتنكروا لايامٍ حفظتُ فيها العهدَ وصنتُ فيها الوعدَ، فكان القدرُ قاسياً، رحلوا رفاق العمر.. كانوا لي ملجأ يُبعد عني مللَ الوحدة، وأسألهم رأياً وأستشيرهم موقفاً، وكنتُ لهم وطناً يحتضن كيانهم وموطنَ أمانهم، ولشجن قلوبهم وليفاً منازعاً، وأتلقفُ كلامَهم وأسمعُ ملامَهم، ويشكونَ لي هماً وأزيحُ عنهم غماً.

رحلوا ولم يعلموا أن الوطنَ قد شبعَ الوحشة، وطيفُ الاحبة يجولُ بين الوجدان والخيال وذلك الحنين الذي أرهقَ النفوسَ لن يشبعَ ظلماً، والقلوبُ كواها لظى الفراق.

اشتاقت لهم الاماكن..ولم تعد اليوم تشبهنا وتسألني عيونهم، وكلما رميتها بعذرٍ، عرّت أسبابي كاملة أمام عواصفِ الذكريات، وأخذتني الى محطاتٍ جميلة وأشعلت نارَ الشوقِ اليها، فأحاول يائساً الامساكَ بأحداثها وكأنما ألتقطُ الهواء.

وطني..يا مجمعَ الاوطان، وطنَ الاحباب والاصحاب، هجرانك ضربٌ في المجهول، والمعلومُ أننا نعيشُ الغربة في هواكَ، والدنيا ليست معكَ، وها هو الزمانُ قد جارَ عليكَ ولم يجاريك، فكم من وجوهٍ سقتها دموعُ الغربة، وكم من شموعٍ ذابت على مذبحك، وكم من قلوبٍ ذابت على فراقك، فلا الدمعُ يعيد الاحبة ولا الكلامُ يطفىء جمرَ الفراق.

وطنَ الجراح والخيبة، والالم والغيبة، استحلفكَ الاملَ وأرتجيكَ القيامة، وللحرية عتبةٌ، وسنبلغ حدَها دون ريبة.

 

الأديب زهير يوسف الرمّاح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى