Economie

“الكندرجي”… إلى الواجهة من جديد!

القدس العربي

أدى تفاقم الأزمة المعيشية وتفشي حالات الفقر والارتفاع الجنوني بأسعار السلع في لبنان، إلى انتعاش حرف قديمة، كانت مهددة بالاندثار، ومن بينها مهنة الاسكافي أو كما يطلق البعض عليها «الكندرجي».

إذ عاد اللبنانيون لتصليح أحذيتهم القديمة وترميمها، وعادوا يبحثون في زوايا وأقبية منازلهم عن أحذيتهم القديمة لعرضها على الاسكافي لعله يتمكن من إصلاحها، بسبب ارتفاع أسعار الأحذية في الأسواء بحجة أنها مستوردة بالدولار الأمريكي، وبالتالي عدم قدرة قطاعات شعبية واسعة على شراء أحذية جديدة.

الأحياء القديمة داخل المدن اللبنانية، كان فيها الكثير من محلات «الكندرجية» وبدأت هذه المحلات بالإقفال خلال العقدين الماضيين خاصة بعد عودة الاستقرار الأمني إلى لبنان والانتعاش النسبي في الأسواق اللبنانية، فلم يكن اللبناني بحاجة لترميم حذائه بسبب قدرته على شراء حذاء جديد.

اليوم، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية، إلى جانب ارتفاع حالات الفقر والبطالة، وتراجع المستوى المعيشي للمواطن بصورة غير مسبوقة أعاد الحيوية إلى مهنة السكافي، وازداد الإقبال على أقدم المهن التي كانت في طريقها للاندثار.

وخلال جولة «القدس العربي» في أسواق المدن اللبنانية لوحظ الازدحام أمام محلات تصليح الأحذية وبدى الكندرجي في حالة انشغال لتلبية طلب الزبائن الذين يحملون أحذيتهم وأحذية أولادهم القديمة طالبين إصلاحها. الحاج أبو يوسف يحمل حذاء مهترئا يقف أمام محل الكندرجي أحمد البزري في مدينة صيدا، قال وهو يتودد للكندرجي لتصليح الحذاء: لم تترك الأزمة الاقتصادية، مجالا إلّا كانت السبب في دماره، حيث ارتفع سعر صرف الدولار على حساب العملة الوطنية، وأصبح من الصعب على اللبنانيين تأمين مستلزماتهم، ولم يعد في مقدورنا شراء حذاء جديد، وعدنا لتصليح الملابس والأحذية المهترئة التي كانت مهملة وإعادة لبسها.

 

 

الكندرجي أحمد قاطع ابو يوسف قائلا: الله يكون بعون الناس، كنا ننظر إليهم وهم يحملون الأحذية الجديدة واليوم نراهم جماعات يتوجهون لتصليح أحذيتهم القديمة.

 

امرأة عجوز تقف بانتظار تصليح حذاء قديم لزوجها، قالت الحياة أصبحت صعب، ولم نعد نجد في جيوبنا ثمن لقمة الخبز بعد ارتفاع أسعارها، فكيف سنجد ثمن حذاء؟

 

عاد أحمد ليقول: انتعشت مهنة الكندرجي، وعادت محلاتنا تستقبل الزبائن. كنا نستقبل أعدادا لا تذكر من الزبائن خلال سنوات ماضية، اليوم نجدهم أمام محلاتنا جماعات.

أبو محمد كرجية، كندرجي ترك مهنة الغناء والفن وعمل في تصليح الأحذية، قال وهو يعاين حذاء قديما، عاد الناس لتصليح أحذيتهم بعد أن وصلت الأوضاع المعيشية إلى مرحلة لم يعد بمقدورهم شراء رغيف خبز أو قميص ولا حذاء جديد بعد أن أصبح سعر الحذاء يفوق نصف مرتب موظف القطاع العام.

ويضيف، مهنة الكندرجية قديمة عرفتها الأسواق اللبنانية منذ ما قبل المرحلة العثمانية، لكنها كادت تصاب بالاندثار بسبب الحياة الرغيدة والرفاهية التي عاشها اللبناني خاصة ما بعد الحرب الأهلية، لكن حالة الانهيار الاقتصادي دفعت اللبناني للعودة إلى مهن قديمة.

يغرق أبو حسين بين أكوام من الأكياس المبعثرة في كل مكان. يساجل زبونة تطلب توسيع حذاء ليلائم قدم ابنها، يحاول أن يقنعها أن الحذاء الذي تحمله لا يمكن توسيعه، لكنها تصر على طلبها وتقول لها وهي تقسم بالله لا أملك ثمن حذاء جديد لإبني.

يقول أبو حسين «الطلبات كبيرة فالأزمة فرضت نفسها على واقع الناس، ما دفع بهم نحو التصليح».

ويؤكد أن نسبة اقبال الناس على تصليح الأحذية فاقت الـ90 في المئة، من دون أن يخفي أنه رفع أجرة التصليح تماشياً مع الغلاء.

في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الوضع ليس أفضل حالا، حيث تشهد محلات «الكندرجية» ازدحاما ملحوظا، وعاد اللاجئون الفلسطينيون في المخيم إلى تصليح أحذيتهم وملابسهم والأدوات الكهربائية المعطلة، بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قدرتهم على شراء الجديد.

وبرأي الكندرجي عبد الله شاب في الثلاثين من عمره، يعمل وسط سوق المخيم في تصليح الأحذية، أن الأوضاع المعيشية تنذر بمزيد من الانهيار، وحقا نؤكد أن قطاعات واسعة من الشعب لم يعد في مقدورها شراء رغيف خبز، فكيف لها أن تشتري حذاء وصل سعره بالحد الأدنى 4 مليون ليرة لبنانية (50 دولارا)؟ مضيفا، ربما يكون هذا المبلغ بسيطا نسبة للدولار ولكن موظف القطاع العام الذي يتقاضى حوالي 4 ملايين ليرة لبنانية كيف له أن يشتري حذاء، أليس هذا جنون؟

 

ويؤكد أستاذ العلوم الاجتماعية الدكتور نسيم كالو أن زبائن «الكندرجية» لم يعودوا محصورين بالفئات الشعبية، فأغلب قاصدي المحلات هم من موظفي القطاع العام والأجهزة العسكرية.

 

عبد معروف- القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى