Culture

الفرعونُ والكلب بقلم الشاعر زهير الرماح 

موقع السياسة

 

تروي الاساطير أن زمناً كثرت فيه فراعنته وأصبح لكل فصيل من الانام فرعونه المبجل، وولياً لنعمته، وسالباً قراره، وراسماً مصاره، وفي أحد الايام إصطحب المبجل كلبه من جوار قصره في رحلة تخطى فيها حدود نفوذه وهيمنته، وأثناء سيرهم أخذ القائد يوصي كلبه ويتلي عليه فرمانه وما يناط به من مسؤوليات وواجبات تحميه وتحمي الكلب نفسه، فقال له: عند أمري واذا صادفنا نظيراً لك خارج إمارتنا هاجمه ووبخه وصفه بأقبح الاوصاف وأنزل فيه كيلاً من التهديد والوعيد وشبّه قائدَه بالمجرم الوغد وناديني بالجبار الصنديد، وألعن إمارتهم بأبشع التغاريد، وأرهب قطعان خرافهم وأملأ قلوبهم فزعاً وخوفا، بقطع السنتهم ورقابهم، بحيث يكاد كل منهم يخشى أبشع مصيرٍ، فأخذ الكلب كلما التقى بنظيرٍ له يصب عليه جام الوصية كاملة، فما انفكت الخراف عن الارتعاد كالحمل الوجيف، تخاف كلبها تارة وطوراً الكلب الرديف.

وبعد جولة واسعة طاف فيها الفرعون ورفيقه أرجاء البلاد كلها، عادا الى الدار نهاية النهار بعد أن عاثا بالبلاد فسقاً وفجورا وزرعا الارض فتنة ومراجلا.

أيامٌ وشهورٌ وأصداء ثغاء الخراف تملأ الارجاء على وقع هواش الكلاب، فتغضب لغضبها وتهدأ لهدئها.

وذات مرة استدعى الفرعون كلبه الى داره مهنئاً إياه على شجاعته ووفائه وبراعتة فيما أوكل اليه، فتشكر الكلب معلمه وقال له: أستميحك سؤالاً يا سيدي، وما الهدف من فعلنا هذا كله بحق البلاد وجموع العباد!؟

فقال: أيها الحارس المُخْلِص، الكلابُ واحدةٌ، وقطعانُ الخراف واحدةٌ، ونحن فراعنة هذا الزمن، ولكي يحمي كل منا مملكتَه وجب علينا ضبط قطعان الخراف كلٍ تبعاً لقطيعه.. ألم ترى منذ حين خروفاً متمرداً، نازي الافكار والاطباع، إمبريالي الهوى، ينشد الحرية بالخروج الى ساحات البلاد الواسعة ويألب رفاقه على الفوضى والفجور وارتكاب عظائم الامور، ليلتحم واياهم بقطعان أخرى؟!

فتنهد الكلب وقال: وماذا لو اجتمعت خراف البلاد كلها؟ فقال الفرعون: لا قدر الله ذلك، فان حدث هذا فلن يعد لأي فرعون قيمة ولا شأنا، وقد نفقد سوياً هذا العز والترف كله، وقد تصبح أنت كالكلاب الشاردة بلا مأوى ودون ماء وكلاء.

وماذا يا مولاي عن سبابٍ الحقناه بفراعنة اخرى؟! فضحك وقال: هذا يندرج ضمن خطة شد عصب القطعان واللعب على غرائزهم بعدم خروجهم عن ولاءاتهم التي اردناها لهم.

فرد الكلب: هذا صحيح يا سيدي.. حماك الله وحمى مملكتنا من نزوات خراف زماننا وألهم نظرائي الكلاب حسن تدبر الامور والقراءة بين السطور.

 

زهير يوسف الرمّاح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى