Culture

حبيبتي يا بيروت.

المؤرخ مكرم المصري

حبيبتي يا بيروت.

في يوم الاستقلال، يختلط الفخر بالحزن، وتبقى الحرب التي نمر بها جرحاً في القلب. بيروت، رغم لوعة الدمار وألم الفراق، تظل أملنا في النهوض. في شوارعها التي تعانقها الدماء والآلام، تبقى جذوة الأمل مشتعلة، وكل زاوية فيها تحكي قصة صمود لا ينكسر. يا بيروت، يا سيدة البحر ونجمة السماء، كيف لكِ أن تحتفظي بكل هذا الجمال رغم الجراح؟ كل حجر فيكِ ينبض بعشق لا يموت، وكل نسمة تحمل في عبيرها ذكرى حبٍ قديم. أنتِ الحلم الذي لا يفارقنا، والشوق الذي لا ينطفئ، مهما تقلبت الأزمان.

 

إعداد مكرم المصري

 

 

حبيبتي يا بيروت….

 

في القرن التاسع عشر، كانت بيروت تتلألأ كحبيبة ناعمة، تتراقص أنفاسها مع نسمات البحر، كأنها تسرد قصص العشاق تحت ظلال النخيل. شوارعها العتيقة، المزينة بالألوان الزاهية، كانت تعكس ضوء الشمس كأنها مرآة تعكس جمال الطبيعة، حيث تتعانق البيوت الحجرية ذات النوافذ الخشبية المزخرفة، لتروي حكايات القرون الماضية. كل حجر فيها يحمل ذكرى، وكل زاوية تُنبئ بسر من أسرار الحياة.

يا بيروت، يا عروس البحر، حيث تلتقي الأمواج مع شغف الحياة! مرافئك العريقة، التي تتوسد السواحل، كانت تعانق السفن كعشاق يعودون بعد طول غياب، وتغمرها رائحة البحر المالح، الذي ينفذ إلى الروح كعطرٍ لا يُنسى. عبق الحرير كان يسافر عبر الأفق كرسائل حب، تتناقلها الرياح إلى أراضٍ بعيدة، ليعكس رونقك وجمالك الفريد.

 

حدائقك الغناء، حيث تتفتح الأزهار بألوانها الزاهية، كانت تعانق الزوار كأنها تُرحب بهم بفرح. أشجار البرتقال، التي تحمل ثمارها كحبات من الشمس، كانت تُعطر الأجواء برائحة زكية، تُشعل الحواس وتُعيد الروح إلى الحياة. في كل ركن من أركان المدينة، كانت الجماليات تُعبر عن نفسها، فالأعمال الفنية المُشغولة بدقة تزين الجدران، والموسيقى التي تعزف في المقاهي تُشبه همسات الذاكرة التي تُعيد الحياة إلى الشغف.

 

وفي قلب المدينة، كانت الثقافة تنبض كنبض الحياة، حيث تلاقت الأفكار والأحلام في أمسيات ساحرة. الأدباء والمفكرون، الجالسون في مقاهي الساحات، كانوا يتبادلون الكلمات كعصافير تحلق في سماء الفكر، بينما كانت الموسيقى تنساب كعطرٍ في الأجواء، تُشعل الشغف وتُحيي الأرواح. كل لحن كان يُعبر عن عشق الحياة، وكل كلمة تُكتب كانت تحمل نبض القلب.

 

لكني لا أستطيع أن أنسى أحزانك، يا بيروت. فقد عانيت من صراعات طائفية، كأنك كنتِ تتألمين في صمت، تشهدين على نيران الفتنة التي تهدم البيوت وتفصل الأحبة. لكن رغم كل ذلك، كنتِ دائمًا تُعيدين بناء نفسك، كزهرة تتفتح من جديد بعد العاصفة، محمولةً على آمال أبنائك الذين يؤمنون بجمال الحياة. كعصفور يعود إلى عشه بعد العواصف، تجددين نفسك مع كل شروق شمس.

 

وفي حضنك، كانت الثقافات تتعانق كعناق الأصدقاء، كل واحد يحمل عبق تراثه، لكنهم يتشاركون في حلم واحد. بيروت، أنتِ قلب ينبض بحب الحياة، وتاريخك هو قصة من نسيج من الألوان والأصوات، تمتزج فيها الأحزان بالأفراح، لتكوني دائمًا تلك المدينة التي تتراقص تحت ضوء القمر، وتغفو على أنغام الأمواج.

 

إنكِ، يا بيروت، كنجمة في سماء الليل، تضيئين دروبنا، وتذكير دائم بأن الحب والسلام هما الحلم الذي يسعى إليه كل إنسان. فكيف لا نتغزل بكِ، وأنتِ، يا حبيبة البحر، تجسدين جمال العالم، تحملين في طياتك قصص التاريخ، وتُحيين في قلوبنا الأمل.

 

يا بيروت، يا نجمة في السماء،

تسحر القلوب وتغني الفناء.

بين جدرانك أسمع النداء،

وفي شوارعك، أعيش الأمل في البقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى